الشهيد خالد دبور قائد سريتى!!
من الغريب أن بعض الأماكن تربطنا أحيانًا بمن نحب برابط لا ندرى له سببًا، فنجد من نحب يسكنون أو يعملون أحيانًا فى أماكن كنا نتواجد بها فى فترات من أعمارنا، وعشنا فيها لحظات وذكريات حلوة وأحيانًا صعبة، كانت سيناء من تلك الأماكن التى ربطتنى بابن من تلاميذى الذين كنت أحبهم جدًا، وهو النقيب خالد دبور، فقد شاء الله أن أؤدى خدمتى العسكرية عام 90 بوسط سيناء فى سلاح المشاة وشاء القدر أن يكون هو نفسه قائد سريتى فى الكتيبة 36 .
حين انطلقت شرارة حرب أكتوبر، كنت فى الصف الأول الابتدائى بمدرسة مدينة العمال بالمحلة الكبرى، عرفت وقتها أن شيئًا عظيمًا يحدث على أرض الوطن، فهمت أن أخى عبد الحميد الجندى فى سلاح المهندسين ليس فى رحلة نظرًا لغيابه عنا، بل كان فى الجيش، كنت أفرح حين يعود فى إجازات قصيرة جدا لمدة 24 ساعة، فقد كان يحارب لتحرير سيناء التى اغتصبها العدو الإسرائيلى عام 67، عرفت وقتها أن ابن العم النقيب عبد الدايم زيدان يحارب هو الآخر فى سلاح المدرعات، لم أكن أفرق بالطبع بين سلاح المهندسين والمدرعات والمشاة، لكننى ظللت سنوات كبيرة أحلم أن أكون ضابطًا بالجيش مثل الشهيد عبد الدايم، ولم يمنعنى فى الحقيقة عن التقديم إلا طلب أبى الشيخ أن ألتحق بكلية التربية بعد الثانوية لأكون بجواره فاستجبت لأوامره، لكن شيئًا ما ظل بقلبى من محبة الكلية الحربية، وفرحت حين عرفت أن عبد الحارس ابن أخى كان يخدم بسيناء ضابطًا فى حرس الحدود، وحين قرر ابنى أن يلتحق بالحربية رغم أنه لم يوفق.
لكن تلاميذى كانوا يحققون لى تلك الأمنية التى لم أحققها، فقد كنت يومًا ما معلمًا للغة الإنجليزية، وكنت أطير فرحًا حين أعرف أن أحد تلاميذى التحق بالحربية، وسعدت جدًا حين عرفت أن من الذين حققوا حلمى النقيب خالد دبور ابن المنشية الجديدة بالمحلة الكبري، وابن أخت صديقى العزيزين محمود ومحمد الشبراوى، والغريب جدًا أن تلميذى المهذب الرشيق الجميل النقيب خالد دبور قد التحق بالعمليات بسيناء بعد تخرجه في الكلية الحربية، سعدت أيضًا أنه يخدم فى سيناء رغم خوفى عليه، فقد كان يحافظ على التراب الأعز والمكان الذى خدمت به أيضا كجندى، واستشهد على أرضها مثلى الأعلى الشهيد عبد الدايم زيدان ابن كفر القلشى منوفية، الذى كنت أود أن أكون مثله، سألته بحماس أين تخدم فى سيناء يا خالد ؟ فأخبرنى باسم فرقة المشاة التابع لها، قلت له أننى خدمت بالفرقة نفسها وقلت له سعيدًا وفخورًا أنها من أشرس الفرق فى عمليات حرب أكتوبر، سألته عن اللواء فأخبرنى أنه اللواء الذى خدمت به أيضًا، اندهشت جدًا لما قاله، سألته عن الكتيبة فأخبرنى أنها الكتيبة نفسها، الغريب أنه كان قائد السرية الثالثة التى كنت مجندًا بها عام 90، تذكرت قائدى النحيل الرشيق المحنك الذى كان يذكرنى بالمشير الجمسى، ابن المطرية إيهاب محمد فوزى، فقد كان يحترمنى ويقدرنى وما زالت أبحث عنه وأشعر أننى يومًا سألتقى به، فقد كان نموذجًا لأدب وعلم ضابط القوات المسلحة.
ظللت سعيدًا أن أحد تلاميذى المبجلين المحترمين المتفوقين كان قائدًا للسرية نفسها التى كنت مجندًا بها، وظل شيء ما بنفسى يأكلنى عليه كلما سمعت أن الإرهابيين قد قاموا بهجوم على جنودنا البواسل الذين يدحرون الإرهابيين كل يوم فى سيناء، فتحية للشهيد النقيب المهذب الخلوق خالد دبور الذى وجدت صورته معلقة على بيت خاله محمود الشبراوى بمدينة المحلة الكبرى تشير لى باسمة فخورة به معلنة استشهاده على أرض سيناء الحبيبة ومؤكدة ومقسمة أنها ستطهر سيناء من الخونة على يد قواتنا المسلحة الباسلة فى أقرب وقت.