الثلاثاء 15 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بوادر حرب باردة

بوادر حرب باردة






ما أشبه الليلة بالبارحة، قبل 38 عاما قاطعت الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة أوليمبياد روسيا الذى نظمه الاتحاد السوفيتى بحجة غزو الروس لأفغانستان، واليوم تعلن بريطانيا ان الأسرة الحاكمة ووزراءها سيقاطعون حضور نهائيات كأس العالم فى موسكو و يطالبون النواب والشعب أيضا بالمقاطعة بحجة قتل الروس  جاسوس يقال :إنه كان مزدوجا بين البلدين.
عودة أدوات الحرب الباردة بين البلدين من اتهامات بقتل جواسيس إلى دعوات لمقاطعة فعاليات رياضية أممية تستهدف تدعيم العلاقات بين الشعوب تعنى أن مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتى مطلع تسعينيات القرن الماضى فى طريقها للعودة مجددا.
تخيل البعض أن العالم ذهب إلى طريق القطب الواحد وخرجت نظريات عديدة تتحدث عن سيادة الغرب على العالم، وأن الفكر البشرى سيخضع للمفاهيم البراجماتية والرأسمالية، وفى سبيل تكريس ذلك ظهرت أدوات ومنظمات مثل اتفاقية التجارة العالمية، وانتشرت الشركات متعددة الجنسية، وظهرت مؤسسات وهيئات اقتصادية تتجاوز حدود البلدان وتصيغ شبكة عنكبوتية معقدة لها قدرة التأثير على القرار السياسى فى الدول الكبرى والعظمى أيضا.
فى العام 1980 كانت المقاطعة لدورة الاتحاد السوفيتى عظيمة، فقد عكست الصراع بين الغرب والشرق، وقتها بدأ الغرب أول خطوة لاقحام السياسة فى الرياضة والتى ينتقدوننا اليوم لو فكرنا فى خطوة مشابهة بسبب إسرائيل مثلا، لكن فى كل الاحوال منذ انهيار الكتلة الشرقية لم نر خطوة مشابهة لأى سبب بعد أن اختفت الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
الآن نرى بوادر استعادة مناخ الحرب الباردة ، وإذا كانت دعوة المقاطعة البريطانية محدودة الأثر والتأثير إلا أنها تمثل بداية للعودة لذات أساليب المواجهة وقت سيطرة الكتلتين الأعظم على العالم.
قد يرى البعض أن روسيا لم تعد هى الدولة الاشتراكية أو الامبراطورية السوفيتية التى كانت وأنها تنتمى الآن إلى الأساليب الرأسمالية وتدير شئونها الدولية بمفاهيم المصلحة والمنفعة الوطنية، كل هذا صحيح لكن ظنى أن الرغبة فى العودة كقوة عظمى قد يهئ المناخ العام لمثل هذا التوجه.
لا يمكن استبعاد تطوير روسيا لأسلحة نووية والاحتجاجات الأمريكية واتهامات واشنطن لموسكو بخرق المعاهدات الدولية من الحسابات حول البيئة السائدة وتوالى مظاهر مواجهات تتجاوز الصراع الاقتصادى بين الكتل الكبرى إلى مواجهات سياسية من ناحية أو عسكرية عبر وسطاء على أراضى دول أخرى مثلما يحدث فى سوريا أو ليبيا مثلا.
صحيح أن دولا أخرى لم تعلن دعم القرار البريطانى والانضمام له بما يقلل من فاعلية القرار وتأثيره لكن مجرد العودة لأدوات المقاطعة وسط مناخ التوتر السائد بين روسيا وبعض رموز دول الغرب المؤثرة فى القرار يدفعنا لضرورة متابعة هذا المسار وما سيترتب عليه من تداعيات.
صحيح أن التاريخ لا يعود للوراء، وأن عودة الحال إلى ما كان عليه محال، لكن تظل العقلية البشرية قادرة على إبداع أفكار ووسائل للحفاظ على الوجودة، وعودة ثنائية القطبية فى العالم من مصلحتنا خصوصا بعد ما عايشناه جميعا من سلبيات وضغوطات القطب الأوحد، لو عادت ثنائية القطبية هذه المرة ستكون فى صورة مختلفة عما كانت عليه فى الماضى.