الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كيث هارينج» من محطات مترو الأنفاق إلى «ألبرتينا»

«كيث هارينج» من محطات مترو الأنفاق إلى «ألبرتينا»






فى ملاحظة سريعة علينا أن نؤكد أن النقد التشكيلى وخصوصًا من ناحية التصنيف قد عانى تدهورات عديدة منذ أفول مدارس الحداثة المعتمدة، فانقسمت المدارس الحديثة من داخلها لمئات من الحركات والاتجاهات وأصبح من الصعب صدور توصيف «مانيفست» حقيقى من قبل النقاد يفصل ويفند هذه الحركات، ولذا فنحن نستطيع أن نقول أن فى أمريكا على سبيل المثال كانت «البوب آرت» حركة أصيلة فى الفن التشكيلى لأنه لم يكن هناك فن أمريكى أصيل لكن المدارس الفنية فى أمريكا ما قبل البوب آرت والفوتومونتاج كانت أوروبية صرفة مع بعض تأثيرات بيئية، وفى تعريف سريع يخالف كل التنظير الزائف حول البوب آرت فإن هذا الفن هو محاولة من فنانين طليعيين لإعادة تدوير النفايات المجتمعية الأمريكية لتصبح خامة فنية مثل قصص الكارتون والمادة الإعلانية والسينما والجماعات الصغيرة من مبدعى الشوارع بما فى ذلك المثليين ومتعاطى المخدرات، لذا فإن البوب آرت هو الصورة الأولية للسريالية الأمريكية الغير قائمة على المدرسية، ومناسبة هذه المقدمة هى حدث شديد الأهمية فمتحف ألبرتينا فى العاصمة النمساوية فيينا يعرض مجموعة من أعمال فنان الجرافيتى – والذى يتبع البوب آرت بشكل ما – الأمريكى الأشهر كيث هارينج والذى يعتبر بحق أحد أساطير الفن الأمريكى غير المفبركة على غرار جاكسون بولوك فهو فنان بمعنى الكلمة على الرغم من كل ما يكتنف حياته القصيرة من سقطات تعود لشخصه هو وليس لفنه.
على الرغم من أن كيث هارينج يتبع نظريًا البوب آرت إلا أنه يظل مدرسة قائمة بذاتها لا تنتمى إلا لشخص كيث هارينج ذاته وتجربته الحياتية ولكى نعرف قيمته علينا أن نذكر أنه منذ عشر سنوات وأعمال «هارينج» تسيطر بشكل كلى على جاليريهات سان جيرمان فى باريس مما جعل بعض الهيئات الفنية تحارب وجود أعماله بهذا الزخم حتى يتثنى للفنانين الأحياء الظهور.. ويعتبر «هارينج» أحد أهم عشرة فنانين فى القرن العشرين حسب أحد تقارير النيويورك تايمز المعتمدة على استفتاءات دور الأعمال الفنية وهو فنان جرافيتى بالدرجة الأولى أى أنه بدأ حياته بالرسم على الحوائط فى الأماكن العامة وبالتحديد مترو أنفاق نيويورك والذى وجد فيه متنفسًا للتعبير عن وجهة نظره الفنية فاستخدم الطباشير للرسم على خلفيات سوداء وما لبث أن ذاع صيته بشكل كبير وأصبح أحد أيقونات الفن التشكيلى فى العالم بعد أن خرج من حيز مترو الأنفاق وقام برسم الجداريات وتعددت خاماته.
لكن ماذا دفع بفن كيث هارينج لأن يتصدر قوائم الفن فى العالم؟، الحقيقة لن نكون سطحيين ونقول إن البساطة هى سبب ذيوع صيت هارينج لأنه يبدو بسيطًا ومباشرًا لأول وهلة لكنه فى الحقيقة أكثر عمقًا من أهم فنانى القرن العشرين والسبب فى ذلك هو أنه يعبر داخل المتلقى بسرعة فائقة لأنه يستخرج رمزا ما بشكل ضمنى يجعلك تشعر أنه مألوف جدًا لك بل وبسيط وحتى أن البعض يعتبر أن فن هارينج ما هو إلا وحدات جسدية رمزية آدمية وحيوانية تستخدم بشكل تكرارى وكأنه رمز زخرفى وهذا يكون حقيقيًا فى بعض الأحيان وخاصة فى جدارياته، ربما أيضًا تواجد هارينج كناشط اجتماعى يستخدم فنه ليحارب المخدرات والاستغلال الجنسى ويعبر عن حرية الجسد كان ذلك سببًا أن العديد من المنظمات قامت بتسويق هارنج على مستوى عالٍ وعالمى وحيث كان ضمن مجموعات طليعية فنية من بينها جماعة فوتورا 2000 والتى كانت تضم مغنية البوب الشهيرة مادونا، فى المجمل تأثر فن هارينج كثيرًا بالقراءة الرمزية لعلم العلامات والأشكال «السيميوطيقية» والتى درسها على يد بيل بيكلى كما تأثر بأيقونة البوب آرت أندى ورهول ومنه أخذ شخصية الفأر الشهيرة التى ظهرت فى أعماله كثيرًا أيضا علينا أن نعترف أن الجانب المظلم فى شخصيته قد حركت الفن نحو الضد نحو بعض السمو فأصبح أحد الأيقونات المجتمعية علاوة على شهرته كفنان، مات كيث هارينج بعد إصابته بمرض الإيدز عام 1990 فى سن 31 عامًا وكانت آخر أعماله جدارية - كل العالم - الشهيرة فى كنيسة سان أنتونيو فى بيزا بإيطاليا.