السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفطنة والكياسة

الفطنة والكياسة






  الكياسة، والنباهة، والفطنة، والذكاء، والوعي، واليقظة، أمورٌ ينبغى أن يكون عليها المؤمن، فلا يَخدع ولا يُخدع، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: “لست بالخِبّ ولكن الخِبَّ لا يخدعُنى”، أى لست بالخداع ولكن الأكثر خداعًا لا يتمكن من خداعى، وكان المغيرة بن شعبة داهية من دواهى العرب فى الفطنة والذكاء، وكان يقول: لولا الإسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه جزيرة العرب، وفى الأثر: “الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ”، وكانت العرب فى جاهليتها تمتدح بالذكاء والفطنة والتيقظ، حيث يقول طرفة بن العبد: “خَشَـاشٌ كَـرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّـدِ”، وكان الفرزدق يقول: يَنَـــامُ بِإحْــــدَى مُقْلَتَيــــهِ وَيَتَّقِـــى... بِأُخْرَى الأَعَـادِى فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ.
وقد أُمرنا بأقصى درجات اليقظة فى حالات الحرب، فقال سبحانه: ” وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً”.
  وإذا سلّمنا أننا فى حرب متعددة الجوانب والمسارات: حرب مع العدو المتربص من أعدائنا الظاهرين، وحرب مع الخونة والعملاء من بنى جلدتنا الذين يطعنوننا فى ظهورنا بلا وازعٍ من دينٍ أو ضميرٍ أو وطنية، لا يألون على شيء إلاّ ما يحقق مصالحهم الشخصية أو مصالح الجماعات الإرهابية التى ينتمون إليها …
 وإذا كانت الحروب الحديثة متعددة المسارات: قتالية، واقتصادية، وفكرية، وثقافية، وصارت حروب الجيلين الرابع والخامس هى الأكثر استخدامًا لإفشال الدول وإسقاطها وتفتيتها والإتيان على بنيانها من القواعد من خلال استخدام العناصر الخائنة والعميلة والمجندة لصالح قوى الشر، ومن خلال بث الشائعات، وتشويه الرموز الوطنية، وتقزيم الإنجازات، ومحاولات طمس الحقائق… فإن جانبا كبيرًا من ذلك يعتمد إلى حد كبير على استخدام الخلايا النائمة للجماعات الإرهابية، وعلى ثلة من المنتفعين الذين يراوغون كما تراوغ الثعالب، ويغيرون جلودهم مثل الحيات والثعابين“وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ”، لأن مهمتهم تحريف الكلم عن مواضعه وإخراج الأمور عن سياقها، فلو كانت الكلمة تُحمل على مائة وجه منها تسعة وتسعون وجها حسنًا ووجه واحد يحتمل التأويل، حملوها قسرًا على هذا الوجه تشويهًا وتكديرًا وإلباسًا للحق ثوب الباطل، عمالةً وخيانةً وطمعًا فى عَرَضٍ زائلٍ من الحياة الدنيا لا يمكن أن يهنأوا به؛ لأنه سيكون عليهم حسرة فى الدنيا والآخرة.
 وإذا كان الذكاء نعمة من نعم الله (عز وجل) فإننا سنحاسب على هذه النعمة، وعلينا ألا نستخدمه فى شر، حتى لا يكون وبالا وحسرة فى الدنيا والآخرة، وهذا ما حذّر منه نبينا (صلى الله عليه وسلم) حين قال: ” إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِى لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَخِيه، فَلَا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ”.
  ويجب ألا نسمح لأحد بأن يخدعنا مرتين، فضلاً عن أن يخدعنا أصلاً،ودفعًا لمخاطر الجماعات الضالة المضلة يجب أن نكون أكثر ذكاء ووعيًا ويقظة وحسمًا تجاه الخلايا النائمة حتى لا تتمكن من بناء نفسها من جديد، بما يشكل خطرًا داهمًا.