عصام عبد الجواد
البيزنس الخفى
ارتفاع الأسعار فى مصر ليس له مثيل، ونابع فى المقام الأول من جشع التجار الذين يستغلون المواطن الغلبان، ورغم أن الشكوى المستمرة من ارتفاع الأسعار دائمًا وأبدًا تكون من المواد الغذائية وغيرها، مما لا يمكن أن يستغنى عنها المواطن أو الأسرة المصرية، والتى تحاول أجهزة الدولة بكل الطرق وقف جماح هذا الجنون والارتفاعات المستمرة، لكن الغريب والجديد هذه المرة، هو وجود مافيا جديدة تستغل المواطنين وترفع الأسعار بشكل مبالغ فيه فى عمليات بيع وشراء المقابر، وهو البيزنس الخفى الذى لا يعرف أحد عنه شيئًا لدرجة أن ارتفاع الأسعار وصل إلى أكثر من عشرة أضعاف سعرها الحقيقى خاصة فى الـ7 سنوات الأخيرة.
ففى عام 2017 قادنى قدرى أن أحجز مقبرة عن طريق إدارة الجبانات فى محافظة الجيزة، كانت المقبرة يومها تباع بـ 30 ألف جنيه، فقط ثلاثون ألف جنيه لا غير يتم دفع المبلغ بالقسط على مدار عام ونصف العام، والاستلام بعد عامين، ويومها بعد أن ذهبت إلى إدارة الجبانات فى سوق الجمعة بمدينة 6 أكتوبر، وقمت بحجز المقبرة، وقمت بدفع الدفعة الأولى، وقيمتها 10 آلاف جنيه ، وأثناء خروجى وجدت عشرات من السماسرة يعرضون علي شراء إيصال الحجز مقابل عشرة آلاف جنيه بخلاف العشرة آلاف جنيه التى قمت بدفعها مقابل عمل توكيل للسمسار لبيع وشراء المقبرة التى حجزتها ويحق له تسلمها وبيعها لأى شخص آخر، يومها لم أصدق أن هناك بيزنس بهذا الشكل، وهم يقفون أمام إدارة الجبانات وكل من يدخل أو يخرج يعرفهم بالاسم، ويعلم تمامًا ما يقومون به، ومرت الأيام ودفعت باقى أقساط المقبرة واستلمتها بالفعل عام 2019 مساحتها 22 مترًا، مقبرة مجهزة بالكامل وتم بناؤها ووضع باب حديد ولافتة من الرخام.. ما كان علي إلا وضعت قفلًا عليها فقط، ومرت الأيام ولم أذهب إلى هناك إلا على فترات متباعدة قد تصل إلى عام أو عامين، وبالصدفة قادتنى قدماى الأيام الماضية إلى الذهاب إلى هناك، فوجئت بعشرات السماسرة الذين يسألوننى عن بيع المقبرة، وبدأ كل واحد منهم يزايد على الآخر، حتى وصل أحدهم بالسعر إلى 400 ألف جنيه، نعم مقبرة كانت من 7 سنوات بـ30 ألف جنيه وصل ثمنها إلى 400 ألف جنيه، لكنى فاجأت السمسار بأنى لا يمكن أن أبيع المقبرة خاصة أنها المقبرة الوحيدة التى لدى العائلة فى القاهرة، وبعد ما جلس معى السمسار بعد أن علم أن لدى أصدقاء وزملاء لهم مقابر بجوار مقبرتى بدأ يترجانى أن أتواصل معهم لبيع مقابرهم وهو جاهز للشراء وعلى استعداد لدفع مبالغ أكثر من ذلك.
الصدمة لم تكن من هذا المشهد فقط، بل من الأرقام الأخرى التى ذكرها لى السمسار الذى أكد أن مقابر طريق الفيوم التى بها مقبرتى هى الأقل سعرًا بين المقابر، فهناك مقابر فى مدينة أكتوبر على طريق الواحات يصل ثمنها إلى مليون جنيه، ومليون ونصف المليون، وأن لديه مقابر فى القطامية وصل ثمنها إلى 2 و3 ملايين جنيه، ومقابر على طريق العين السخنة تبدأ من 500 ألف جنيه وتصل إلى مليون جنيه كل مقبرة حسب حجمها وطريقة زخرفتها من الخارج، من عمل زخارف إسلامية وتجليدها بالرخام والجرانيت ومساحة الاستراحة وغيرها من الزخارف، الأغرب عندما بدأت فى ركوب سيارتى فى العودة، طلب منى أن يرافقنى حتى أوصله لسيارته الخاصة التى تقف أول الطريق، وهناك وجدته يركب سيارة دفع رباعى أحدث موديل فانفجرت بالضحك وسألته: هل هذه السيارة من مقابرنا وأحزاننا ومن موتانا، ضحك هو الآخر وقال لى: من نجاحاتى وتعبى وشقايا.
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.









