الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فرانز سيدلاتشيك أهم آباء السريالية

فرانز سيدلاتشيك أهم آباء السريالية






 فنانا اليوم من وجهة نظرنا هو أحد آباء السريالية المغمورين الذى لم يأخذ حقه من النقد والذكر والتكريم وهو الفنان فرانز سيدلاتشيك بل ولعلنا نعتمد مقولة الناقد النمساوى الكبير بروفيسور توبياس ناتر، أنه لولا اعتبار فرانز سيدلاتشيك فى عداد المفقودين على الجبهة البولندية فى الحرب العالمية الثانية لكان فناناً مثل سلفادور دالى وغيره كثيرين من عتاة السريالية ظلوا فنانين مغمورين وكانوا سوف يتضاءلون أمام عبقريته.
الحقيقة أن المسألة فى نقد الفنان الكبير فرانز سيدلاتشيك مسألة صعبة وغير مأمونة العواقب فهى تعطينا الجرأة فى إصدار أحكام قد لا يؤيدنا عليها بعض النقاد مثل أن «دالي» و«ماسون» و«مجريت» وغيرهم لم يتمتعوا بنصف موهبة وتقنية سيدلاتشيك وأنه لولا اختفاؤه المفاجئ لكانت أعماله غطت على هؤلاء، وهذا الرأى نطلقه لعدة محاور، الأول هو أن سيدلاتشيك لم يكن سرياليا غامضا أو مبهما مثل معظم السرياليين؛ لأن شطحاتهم فى أحيان كثيرة جعلت الغموض يطغى على بهاء المشهد التشكيلى، ومن ثم أصبح العديد من المتلقين يعافون أن يلقوا بأنفسهم فى متاهات بصرية قد تبتعد بهم عن هدف الفن ذاته، والمقصود أن سيدلاتشيك كان يستخدم المفهوم السريالى بشيء من الترشيد لإبقاء المتلقى على نفس الخط معه وهكذا يحتفظ بعنصر الجذب والتفاعل مع متلقيه، المحور الثانى أنه كان من الذين تربطهم جذور كبيرة بالفن الكلاسيكى، ففى أحيان كثيرة نجده يقترب فى المضمون فى بعض التقنيات مع فنانين بعينهم من عصور الفن الكلاسيكى مثل عصر النهضة فنجده يقترب كثيرا من «بروجل» فى رؤاه وكوابيسه سواء فى الفكرة أو تكنيك التنفيذ أو أحيانا المقاييس.
ولعل ارتباط الكثير من فنانى عصر فرانز سيدلاتشيك به، وبعوالمه أكبر دليل على مدى قوة هذا الفنان الذى يعتبر بحق أحد أهم رواد ما بعد الحداثة أو نهاية الحداثة فى النصف الأول من القرن العشرين، وقد تأثر به كثيرا كل فنانى النمسا وخصوصا الانفصاليين حيث انضم سيدلاتشيك رسميا لهم فى عام 1927 أى فى سن السادسة والثلاثين وكان لايزال يتشكل، والحقيقة أن سيدلاتشيك لم يكن على نفس منهاج جماعة فنانى فينا الانفصاليين على الرغم من أنه كان منهم بل لقد كان سيدلاتشيك يختلف عنهم فى نقاط كثيرة أولهم أنه كان أقربهم للسريالية على الرغم من عدم تصنيفه كفنان سريالى كذلك فلقد ارتبط أكثر بما يعرف بمدرسة الموضوعية الجديدة وهى تطوير للمدرسة الموضوعية كما أنها كانت ثورة على التعبيرية لذا فإن البعض يطلقون عليها أحيانا ما بعد التعبيرية، لكن المسميات تتشابك وقد تثقل على القارئ لذا فإننا نقرب المصطلح أكثر ونحصره فى الموضوعية الجديدة، حيث كانت الموضوعية نفسها من ابتداع الكاتبة الأمريكية الروسية آين راند، وهى وجهة نظر فلسفية تدخل بشكل أو بآخر ناحية البرجماتية المجردة أى البرجماتية اللامادية (البرجماتية هى الفلسفة النفعية) وتعتبر «راند» أن أهم أفكار فلسفتها هى أن الإنسان يستطيع تحصيل المعرفة الحسية بشكل مباشر من خلال إدراك حسى لموضوع المعرفة، ومن ثم تصبح المتعة الشخصية هى الهدف، لكن من ناحية الفن تعتبر الموضوعية هى محاولة الفن لترجمة الرؤى الغيبية للفنان ومن ثم قد يصبح الحلم أو الكابوس أو التخيلات موضوعا فى الفن التشكيلى، لأنها موضوعات غيبية ويجب على الفن ترجمتها ليراها المتلقى فى صورة تجربة ويتفاعل معها وهذا ما كان يتكأ عليه «سيدلاتشيك» بشكل أساسى فى أعماله فلقد كانت معظم أعماله رؤى أو أحلام أو ربما كوابيس أيضا استخدم فيها البعد الصوفى أو الهلاسى أحيانا، وهنا علينا أن نقول أنه من وجهة نظرنا أن السريالية الحديثة والتى ظهرت بكثافة فى أمريكا منذ نهايات ستينيات القرن الماضى كانت تعود بشدة لفكر فرانز سيدلاتشيك بشكل كبير وربما بشكل قطعى ولم تكن ترتبط كثيرا بالسريالية التى عرفناها عند «دالي» و»ماسون» وغيرهما من جماعة السرياليين فإذا نظرنا ببساطة لأعمال فنان كبير مثل الفنان الأمريكى روبن ستيفن كونيت والذى يعتبر من رواد السريالية الحديثة فى أمريكا وجدنا أن نفس الأفكار التى كانت جديدة عند سيدلاتشيك هى التى تستمر عند كونيت مثل استحضار النبات والحشرات بشكل خيالى وعجائبى عن طريق المبالغة فى المقاييس وكأنها مخلوقات تسير فى حلم – مثل الزهور آكلة الحشرات والحشرات التى تقترب لشكل المسخ – بل ونجد تطابق فى لوحات كونيت مع لوحات سيدلاتشيك فى بعض الأحيان، أيضا بالنسبة للوجوه واستحضار العرائس بشكل محطم وكابوسى الذى أدخله سيدلاتشيك لأول مرة فى الفن التشكيلى، نجد أن هذا هو الأسلوب الذى سار عليه وطوره أبو السريالية الحديثة فى أمريكا الفنان الكبير مارك ريدن، والذى يعتبر فى أعمال كثيرة نسخة مطورة لفرانز سيدلاتشيك، أيضا نجد عطر سيدلاتشيك فى أعمال الفنانة الكبيرة لورى ليبتون وخصوصا فى استخدام الأقنعة والوجوه.