الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المرشد الأزرق!

المرشد الأزرق!






حالة من الذعر سادت مواقع التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة مصحوبة بحالة مماثلة داخل البيوت بعدما انتشرت أخبار لعبة «الحوت الأزرق» التى تسببت فى انتحار العديد من الأطفال والمراهقين، المدهش أن هذا التطبيق يخصص مسئولا لكل مستخدم يبدأ تواصله معه ويخضعه لحالة إلكترونية من «السمع والطاعة» ويختبر مدى استجابته للتعاليم الصادرة له ليصل عند حد معين إلى مرحلة السيطرة التامة على هذا المستخدم وعلى عقله ووجدانه، حتى يتمكن بعدها من الوصول به إلى إقناعه بالانتحار!

 الواقع سجل حالات انتحار فعلية دفعت المجتمع إلى التكاتف فى مواجهة الخطر المحيط بهؤلاء النشء من خلال منظومة شاركت فيها المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية والأمنية والاجتماعية وشركات تكنولوجيا المعلومات، كلها اجتمعت من أجل التصدى للخطر الذى يهدد الحياة فاتخذت إجراءاتها بالتحريم والتجريم والحجب والتوعية وفرض الرقابة على الأبناء لتحصينهم من الخطر الداهم.
 المدهش أيضا أن الجميع تعامل مع الحالة باعتبارها ظاهرة جديدة ولم يلتفت أحد إلى أنها حالة مستنسخة مما يمكن تسميته بحالة «المرشد الأزرق» التى يستخدمها التنظيم الإخوانى الإرهابى منذ عقود، فدمر أجيالا من الشباب بعدما استحوذ على عقولهم وقلوبهم وأخضعهم لحالة من «القهر القسري» وأمرهم أن يكونوا بين أيدى مرشدهم أو مسئولهم كالميت بين يدى مغسله، ثم دفعهم إلى الانتحار فى ميدانى رابعة والنهضة، أو الموت بالحياة بتحويلهم إلى مسوخ بشرية تخلت عن عقلها ففقدت صفتها الإنسانية وتحولت من أشخاص إلى شخوص.
إلا أن الفارق فى الحالتين أن «المرشد الأزرق» لم يجد منظومة حقيقية لمواجهته أمنيا وفكريا واجتماعيا ومجتمعيا ودينيا وتعليميا وتربويا وثقافيا ونفسيا، فدفع أجيالا كاملة إلى الانتحار.
الجميع هرول نحو إنقاذ أبنائه أو أحفاده من خطر «الحوت الأزرق» الذى يسبح فى العالم الافتراضى وصولا للفتك بأطفالنا، بينما لم يهرول أحد بنفس الدرجة لإنقاذهم من الخطر الذى يعربد فى الواقع الفعلى ليغتال إنسانيتهم وتحويلهم لمسوخ بشرية بعدما اغتال عقولهم ودفعهم نحو الانتحار الفكري.
تذكر عندما استغل التنظيم الأطفال فى اعتصام رابعة ودفعهم لحمل أكفانهم فى مشهد تمثيلى تحت شعار مشروع شهيد، أمام العالم يتم استثمار الأطفال فى مشاهد الموت بينما يفر قيادات الجماعة الذين بلغوا أرذل العمر إلى فنادق الدوحة وتركيا وشواطئ ماليزيا.
العجيب أنك تجد فى المنظومة التشريعية للدولة المصرية قانونا يجرم عمالة الأطفال، بينما لا تجد قانونا مماثلا يجرم استخدامهم من جانب التنظيم الإخوانى الإرهابى أو تجنيدهم فى السن الحديثة ثم استخدامهم فى سن الصبا وصولا إلى دفعهم إلى الموت تنفيذا لتكليف التنظيم الذى لا يتورع عن استخدامهم الآن كدروع بشرية تدافع عن هذا التنظيم الوهمى!
فالتنظيم الذى يحقن أعضاءه بأمصال الانتحار رفع سقف طموحاتهم فى اعتصام رابعة بعدما أوهمهم أنه قادر على المواجهة المسلحة مع الدولة وصولا إلى نقطة تعادل تفرض على الدولة الجلوس للتفاوض فإذا بهم يجلسون على مصاطب السجون ودكك المحاكم وسيارات الترحيل.
 انظر كيف يتمكن تطبيق «الحوت الأزرق» من استهداف أطفالنا ومراهقينا فى غفلة من الرقابة الأسرية، بينما يغتال التنظيم الإخوانى أجيالا ناشئة أيضا فى غفلة من الأسرة وأحيانا بتحريض من هذه الأسرة إذا كانت إخوانية منذ البداية، ليس ذلك فحسب بل إن هذا الطفل الواقع فى براثن الأسرة الإخوانية إذا ما شب يافعا وحاول التخلص من حالة القهر التى تعرض لها فى الصبا فإنه يتم اغتياله مرة أخرى بالتكفير والتشويه والعزل والإقصاء، دقق فى طبيعة التواصلات الاجتماعية داخل هذا التنظيم ستجد أنك أمام جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان.
وعليك أن ترصد كيف أطلقت الدولة منظومة متكاملة فى مواجهة خطر الحوت الأزرق وصولا إلى تجريمه؟، ثم تابع كيف ستنجح تلك المنظومة حتما فى القضاء على الظاهرة بمشاركة كل أسرة باعتبارها وحدة فاعلة فى هذه المنظومة بعد أن وصلت إليها حملة التوعية؟
 فى المقابل لا تجد عزما مماثلا لمواجهة حالة الانتحار التنظيمى التى يمارسها الإخوان، حتى المواجهة الدينية تتم على استحياء، هنا نتساءل:  ألم ينهنا القرآن الكريم عن الإلقاء بأنفسنا إلى التهلكة؟ ألم يحذرنا ممن يفرقون دين الله شيعا؟ ألم يحذرنا الرسول الكريم من الانقسام إلى الفرق والجماعات؟ ألم يخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن كلنا راع وكلنا مسئول عن رعيته؟
بعد هذه التساؤلات ما هو مبرر الأيدى المرتعشة فى المواجهة الشاملة ذات الأهداف المحددة؟!
أخيراً فلنقارن بين ضحايا «الحوت الأزرق» وضحايا تنظيم «المرشد الأزرق» الذى دمر أجيالا ودفعها إلى الانتحار الفكرى والإنسانى بالتخلى عن فضيلة التفكير وإعمال العقل التى تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، وتارة أخرى عندما دفعها إلى الانتحار الجسدى بينما كان بعض أعضائه يصنعون العبوات فتنفجر فيهم وتحولهم إلى أشلاء فى حوادث متكررة.
 بلا مبالغة فإن هذا التنظيم يمثل خطورة جسيمة على عموم الحالة الإنسانية وفطرتها السليمة تستوجب المواجهة بقدر الخطر.
                                                       اللهم بلغت اللهم فاشهد...