
حازم منير
يا صحافة.. يا
أحرجنى سائق تاكسى كان يرتدى جلبابًا قديمًا شبه رث لكن من الحوار معه تبين عمق ثقافته وخبراته فى الحياة، نظر فجأة إلى يدى وكنت أحمل جريدة.. سألنى «هو لسه فيه حد يابيه بيشترى ويقرأ جرايد لحد دلوقتى.”
السؤال تقليدى ومتكرر كثيرًا لكن ذهنى انصرف إلى أمور أخرى كثيرة منها مثلًا أن أى شخص يريد الإساءة للصحافة يحسم الأمر بالقول «ماحدش بيصدقها لذلك لا يشتريها أحد» ولو أراد أحد التأكيد على الغلاء يقول «ده حتى الناس مابقتش قادرة تشترى الصحف»، ولو أراد شخص التسويق لموقع إخبارى أو بوابة يديرها أو يمولها يقول» المستقبل للانترنت خلاص الصحف تتراجع ولا يقرأها أحد».
هكذا كل شخص يرى الأمر من وجهة نظره وفقًا لمصلحته، وتتعدد وتتنوع الآراء والتفسيرات لكنك لا تجد أبدًا ما يشفى الغليل إلا حقيقة واحدة هى أن «توزيع الصحف يتراجع» وغير ذلك خلافات واختلافات وتبريرات أغلبها غير مقنع ولا يستهدف إلا تحقيق صالح شخصى.
لم أسمع أو أتابع أى معلومات أو أخبار عن وجود دراسات حقيقية ميدانية عن حجم تراجع الصحف وأسبابها، وترتيب استطلاع علمى حول آراء ناس فى الظاهرة، ولماذا انصرفوا عن شراء الصحف، وهل هى أسباب مهنية أم اقتصادية؟
لم تهتم أى جهة معنية بعقد مؤتمر متخصص أو ورشة عمل أو حتى حلقة نقاشية للبحث عن أجوبة لأسئلة عدة تناثرت خلال الأعوام الماضية حول ظاهرة الصحافة الوطنية وذبولها وتراجعها.
بالقطع سيبادر البعض بالقول» نعمل إيه مع ارتفاع أسعار الورق؟» أو “تكاليف الطباعة تضاعفت عدة مرات” أو الأجور ترتفع وقيود عديدة فى المقابل على حرية رفع سعر الصحيفة، وهكذا نستمع لذات التبريرات والتفسيرات والتحليلات دون أن يجهد أحد نفسه بالبحث بعيدًا عن الصندوق التقليدى.
رؤساء مجالس الإدارات أكثر المهتمين بأزمة تكاليف إنتاج الصحيفة، لأنهم المهمومون بتدبير الموارد المالية وتنميتها، والمسئولون عن التعامل مع ديون مؤسساتهم وتوفير الأجور والرواتب للصحفيين والعاملين، لذلك تجدهم «جاهزين» بدراسات وأرقام اقتصادية وهو أمر طبيعى.
لا اعتقد أن تراجع الصحافة الورقية مرتبط فقط بارتفاع سعر الصحيفة أو بزيادة تكاليف العملية الإنتاجية من مختلف الجوانب وبالقطع أن لكل ظاهرة أسبابها المتعددة وطرق حل متنوعة.
اعتقادى أنه لم يعد هناك اهتمام بالبحث عن ألوان جديدة من فنون المهنة وأساليبها لاجتذاب القارئ واستعادته مجددًا، ولم يظهر حتى الآن فى الأغلب قالب جديد يتعامل مع المنافسين الجدد الرابضين خلف الشبكات العنكبوتية يضخون المعلومات لحظة بلحظة للناس.
نحن نحتاج إلى تحرك يكسر الجمود، ومبادرة تتيح صياغة قواعد جديدة وأساليب حديثة متطورة تحرك المياه الراكدة، والسؤال هو من سيبادر ليبحث عن إجابة السؤال «هو لسه حد بيشترى ويقرأ الصحف لحد دلوقتى».
نبهنى سائق التاكسى متسائلًا «زعلت من سؤالى ولا إيه يا بيه؟» اكتفيت بابتسامة ساذجة ولسان حالى يقول «هو أنا ناقصك أنت كمان».