الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البر والوفاء

البر والوفاء






البر والوفاء من صفات الرسل والأنبياء، وقد امتدح الله عز وجل أبا الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام فقال سبحانه: ” وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى ”، وامتدح سيدنا إسماعيل عليه السلام  فقال سبحانه:” وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ”،  وقال فى شأن سيدنا يحيى عليه السلام: “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا *وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا”، وقال سبحانه على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ” قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا *وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ”، وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أوفى الناس بالناس، وأبر الناس بالناس، أوفى الناس وأبرهم لأهله، ولأصحابه، ولأمته، وللناس أجمعين.
  وقد ضرب لنا النبى (صلى الله عليه وسلم) أعظم المثل فى ذلك فى وفائه لزوجته خديجة حيث كان يقول عنها : “ آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ وَرَزَقَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ منها الولد” ، وعن عائشة (رضى الله عنها) أن امرأة جاءت إلى بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) فسألها عليه الصلاة والسلام من أنت قالت جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، قَالَ : بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ ، كَيْفَ أَنْتُمْ ؟ كَيْفَ حَالِكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ : فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَانَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول: “إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِى إِلَيْكُمْ ، فَقُلْتُمْ : كَذَبْتَ؛ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ؛ وَوَاسَانِى بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ” فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِى صَاحِبِى “ مَرَّتَيْنِ . فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا.
 وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) وفيًّا لكل من أحسن إليه، ومن ذلك وفاؤه لرجل مشرك أحسن إليه وهو المطعم بن عدى الذى أجاره وأدخله جواره عند عودته من الطائف إلى مكة فلما كلمه بعض الناس فى أسرى بدر قال (صلى الله عليه وسلم): “لو كان المطعم بن عدى حيًا فكلمنى فيهم لتركتهم له” .
 ومنها وفاؤه حتى لمن أساءوا إليه من بنى وطنه من أهل مكة، فعندما دخلها فاتحًا منتصرًا قال يا أهل مكة  : ” مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ:  ” اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ” .
   وقد سار أصحابه على هذا الوفاء، ومن ذلك ما كان من سيدنا عبد الله بن عمر (رضى الله عنهما) الذى خرج فى سفر ومعه مالك بن دينار، فلقيه أعرابي، فهش له ابن عمر وأكرمه وأحسن لقاءه، وخلع عمامته وأهداه إياها ثم أعطاه دابته التى كان يركبها، فقال له ابن دينار لقد أحسنت وزدت، وإن هؤلاء الأعراب يرضون باليسير، فقال ابن عمر (رضى الله عنهما): إن أبا هذا كان ودًا لعمر، وإنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ” إنَّ أبَرَّ البِرِّ, أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلُ وُدِّ أبيه “.
  ومن أهم ألوان البر والوفاء، البر بالوطن والوفاء له، على أن الوفاء للوطن يقتضى الإسهام الجاد فى كل ما يدعم أمنه واستقراره وتقدمه وازدهاره.