الشيخ إمام يقابل الوهرانى فى القدس
حين أصدر الرئيس الأمريكى ترامب قراره الظالم للقضية الفلسطينية باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ثار كل الشرفاء فى العالم وفى مقدمتهم مصر كانوا 128 دولة قالت لا، وجدتنى أبحث عن الأعمال التى تناولت القدس، فوجدت مسرحية «آخر منامات الوهرانى» للكاتب المسرحى غنام غنام،الفلسطينى المولد،الأردنى الإقامة، العربى التواجد، وغنام غنام كاتب ومخرج وممثل ومسرحى بارع.
ومسرحية «آخر منامات الوهراني» الصادرة عن سلسلة نصوص مسرحية عبارة عن نص داخل النص، تقوم بها فرقة فرجوية تتكون من جوقة موسيقية وبعض اللاعبين الذين يقومون بأداء بعض الأدوار لبعض الشخصيات التاريخية لتعبر عن اغتصاب القدس أيام الواهرني، صاحب المنامات الشهيرة فى الأدب العربى والشيخ إمام والشاعرأحمد فؤاد نجم.
وتبدأ المسرحية بأغنية البحر بيضحك ليه،التى تؤكد أن البحر غضبان لا يضحك لأن الحكاية لا تضحك أحدا، فحال العرب الآن يرثى له، فكثير من الدول فى وضع لا تحسد عليه من التفكك والتناحر والحرب والتقسيم، فالأمر مشين فى سوريا وليبيا والعراق واليمن والصومال وتفككت السودان وتحارب مصر جحافل الأفكار الضالة الإرهابية فى سيناء، الوضع نفسه كان أيام الوهراني،حين احتل الصليبيون بيت المقدس، ورغم أن صلاح الدين حررها إلا أن الوضع عاد سيرته الأولى، والجيد أن الكاتب استخدم قالب المنامات للوهرانى وليس المقامات لبديع الزمان الهمذانى لكى يقول ما يريد من نقد بحرية، فمعروف أن النائم فى ذمة الصاحى وليس على النائم حرج، ويقترح الوهرانى فى حواره ص 59 الذهاب للقدس:
الوهرانى: نشد الرحال إلى بيت المقدس،ومن على منبر/ الأقصى سأطلق صرخة تجعل الغافلين النيام.
من تلك الحوارات نكتشف الفكرة الأساسية التى تطرحها المسرحية، والمقابلة التى يحدثها المؤلف بين المفرطين فى حق القدس، وبين المهمومين بها قديما ويمثلهم الوهرانى والشيخ إمام حديثا، هنا وضحت القضية التى قدمتها المسرحية والأسباب التى أدت إلى ضياع فلسطين ووقوع القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي،و من تلك الأسباب حالة الصمت التى عليها الجميع لدرجة أن جامعة الدول العربية لا تجتمع على مستوى القمة لتأخذ قرارا، والسؤال الذى يدور داخل صدور الناس وبين سطور تلك المسرحية ، متى سيجتمعون ، وهل هناك أهم من القدس ليجتمعوا حولها ليقولوا شيئا.
وتؤكد المسرحية أن الحدود المصطنعة التى أقامها الاستعمار هى التى وسعت الهوة بين الجميع، فكيف يشعر مواطن ببلد عربى آخر كان واقفا بالأمس على حدوده مذلولا مقهورا ليأخذ تأشيره، فكيف له أن يدافع عنه غدا حين يعتدى عليه أحد؟ ويشعر الوهرانى بالدهشة من هذا الأمر فيؤكد له الشيخ إمام الأمر بلغة ساخرة تهكمية قائلا:
الشيخ إمام : لو ركبت بغلتك اليوم من المغرب إلى بغداد/ لوقفت عند عشرين نقطة حدود، ولما اتسع قفا/ بغلتك للأختام وتأشيرات المرور.
وتؤكد المسرحية على زمن الرويبضة، وهم الرجال التوافه الذين يتحدثون فى أمور العامة،و يتولون مناصب ووظائف كثيرة فى الأوطان العربية وفى بلادنا وهم لا يعلمون شيئا، و يأتى السؤال الأهم من شخصية الوهرانى للشيخ إمام ليسأله ما الذى رماه فى سكته ليوقظه من منامه، وما الذى جاء به إلى زمانه أو جاء به هو الآخر لزمن الوهرانى؟ هنا تظهر الحقيقة جلية للقارئ، أن تلك الحيلة المسرحية قام بها الكاتب المسرحى غنام غنام ليؤكد لنا الخيبة والأزمة التى يمر بها عالمنا العربى الآن.
والقارئ للنص سوف يكتشف أن مؤلف النص رجل مسرح قدير ويعرف كيف يضع حواره موضع الرؤية والفرجة، ويستخدم الإرشادات جيدا ليعطى من يود إخراج النص رؤية صالحة للتنفيذ بشكل يسير لو أراد ذلك، وتميز النص بروح الفكاهة وكوميديا الموقف المستمدة من الحوارات التى تنتج إفيهات تثير الضحك والسخرية، اعتمدت أحيانا على السجع، وكان لشخصية البغلة دور كبير فى إثارة تلك المواقف الكوميدية التى تثير السخرية والفكاهة.
وجاء ختام النص مؤكدا على الاستمرار فى مواجهة الحالة التى عليها العالم العربي، وذلك بالدعوة الدائمة لكى يستيقظ الجميع من الغفلة التى نحن عليها الآن، وجاء ذلك على لسان الشيخ إمام لأنه فى الحقيقة صاحب المشكلة الحالية، لذا يتمسك بالغناء.