الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ايريش هايكيل..الفن الألمانى ومعادلة الحداثة والبساطة

ايريش هايكيل..الفن الألمانى ومعادلة الحداثة والبساطة






 فى اعتراف شديد الوضوح والصراحة قال الناقد الألمانى جاك فون تملن فى حوار له مع قناة ترانستيل الألمانية ( الفن الألمانى فن عظيم بكل مدارسه ونواحيه وقدراته لكن أيضًا علينا أن نعترف أن مشكلته كانت دائمًا وما زالت تكمن فى نقطتين أولهما أن الأقاليم الألمانية محجوبة دائمًا وبشكل كبير عن الحركة الفنية فى أوربا كلها بل وأحيانًا ترى الفن الألمانى بقدر ما هو محجوب ومتوار بقدر ما هو متقدم ببعض الرؤى الفنية التى تكتشفها أوربا فيما بعد والنقطة الثانية وهى بالطبع معتمدة على طبيعة الفنان الألمانى ذاته حيث إنه أى الفنان الألمانى فى توحده وتفرده بل وعزلته أحيانًا يبتدع مدرسته الخاصة جدًا وأسلوبه وقناعاته الفنية فيبدو دائمًا ذو نزعة فنية جديدة وغريبة بل وأحيانًا شاذة وفى كل الأوقات عبقرية وهذا ما نجده عند يانسن وهيكيل على وجه الخصوص ) وفى كلام فون تملن تلخيص لـ90% من قضية الفن الألمانى وخاصة الفن التشكيلى فبينما يهلل النقاد ويتقافزون عجبًا من إبداعات المدارس الباريسية التى شكلت الزخم الفنى فى القرن العشرين تظل أيضًا المدارس الألمانية التشكيلية أكثر سبقًا بعدة خطوات ولعل فون تملن قد ختم كلامه بضرب مثالين هما يانسن وهيكيل وربما اعتقد البعض أن هورست يانسن أكثر أهمية من ايريش هيكيل لكنه يكتشف أن هيكيل ربما هو أكثر أهمية على الرغم من شهرته المتأخرة بل وربما لا يعرفه غير صفوة التشكيلين على الرغم من شعبيته الكبيرة فى ألمانيا وبولندا وفنلندا حيث يعتبر هيكيل من نوعية خاصة جدا من التشكيليين لأنها مثله مثل معظم فنانى ألمانيا لم يربط نفسه بمدرسه معينه تفرض عليه أطر وبراويز قد تخنق شيئًا من إبداعه.
 ولعل هيكيل أيضًا من الذين كان لهم دور كبير فى تحييد الموجه التجريدية التى ابتدعها كاندينسكى وفى مناقشتنا للخط الفنى الذى انتهجه ايريش هيكيل ربما يجدر بنا أيضًا أن نناقش قضية هامه تطفو على السطح كلما تناولنا هيكيل وجماعته الشهيرة «داى بروك» او جماعة الجسر هذه القضية هى العلاقة بين الأدب والفن التشكيلى والتى ربما أخذت تتبلور وتأخذ شكلا له أبعاده منذ القرن السابع عشر حيث أصبحت الجماعات الأدبية هى نفسها الجماعات التى تقوم بتفريخ الفنانين التشكيلين الذين يحملوا على عاتقهم مهام تطوير الفن التشكيلى كما أن المذاهب التشكيلية تتطور بتطور المذاهب الأدبية، وكل المدارس الأدبية تضم الشقين أى الشق الأدبى والشق التشكيلى من هنا كان ميلاد هيكيل وجماعته كما سوف نشير بعد ذلك ، ولد الفنان الألمانى الكبير إيريش هيكيل 31 يوليو 1883 فى دوبلين فى ساكسونى والتحق فى صباه بمدرسة كبيره كانت متخصصة فى تدريس اللغة وقواعدها وفلسفتها وكانت هذه المدرسة هى بداية توجهاته الفكرية والفنيه معا حيث عشق الرسم وأحب اللغة وما تشكله من تراث فنى وعشق قراءة النوعية الأدبية والفلسفية الطليعية والتى تنحو إلى التمرد والتجديد وفى عام 1904 التحق هيكيل بكلية العمارة والتصميم فى دريسدن وتعرف هناك على الفنان الكبير لودفيج كريشنر وفكروا مع مجموعة من الأصدقاء الآخرين فى تكوين رابطتهم الفنية التى اشتهرت باسم «Die Brucke» والتى تعنى الجسر حيث كان المقصود بها ان تكون هذه الجماعه جسرًا بين المدارس الألمانية التقليدية وبين المدارس الطليعية.
وبين عامى 1907 و 1908 رحل هيكيل الى شواطئ بحر الشمال الباردة للبحث عن الطبيعه البكر ليعمق تجربته البصرية واستقر على بحيرة مورتزبورج مع صديقاه كريشنر وباختين وفى عام 1911 نقل أعضاء الجماعة نشاطهم الى برلين وبدأ هيكيل بتقديم تجاربه الفنيه فى صالات المتروبول الشهيرة، كما اشترك أيضًا فى هذه الفتره بعمل الرسومات الجدارية لمصلى أحدى الكنائس فى كولن بالأشتراك مع صديقه الفنان كريشنر وبدات هناك قصة حبه بهيلدا فريد التى أنتهت بالزواج عام 1916 وفى عام 1920 اصبح لهيكيل نشاطا سياسيا كبيرا حيث انضم رسميا لمنظمة الفنانين الاستشاريين والتى كان كل همها التأثير فى المجتمع السياسى من خلال الفن ثم بعد ذلك انضم لجماعة نوفمبر الشهيرة التى كان لها دورا سياسيا خلاقا فى عشرينات واربعينات القرن فى المانيا وفى أثناء الحرب العالمية الثانية تعرض هيكيل مثله مثل العديد من فنانى المانيا والنمسا لما يعرف بحركة تطهير الفن والتى كانت من اختراع النازية ومثله مثل كاندينسكى وكوكوشكا صودرت أعماله على يد قوات هتلر بحجة تطهير الفن من القيم الفاسده مما اضطر هيكيل إلى الرحيل عام 1944 الى كارليسرو حيث عمل هناك فى أكاديمية الفنون الجميله وحتى وفاته عام 1970 وحصل على عدة جوائز فنيه وأوسمه منها وسام الرايخ الألمانى عام 1964 ووسام الشرف من الطبقه الأولى من فرنسا عام 1960 كان هيكيل على الرغم من انه تأثر فى بعض أعماله بالانطباعية الا انه كان فى المجمل فنانا تجريبيا كانت له بوتقته الخاصه التى صهر فيها كل التجارب الفنية التى مرت به وخرج بمعدنه الخاص والمتميز.