السخرية فى «اضحك لما تموت»!
ما أصعب أن يضيع منك حلمك،آمالك،أحلامك،يضيع منك أولاك/راعيتك/ تحويشة عمرك كما يقول المصريون،تراهم يتسربون من بين يديك وأنت واقف تتفرج لا حيلة لك، ولا قوة منك قادرة على أن تمنعهم من الشرود بعيدا عن دائرتك ورؤيتك وفى النهاية بيتك،ساعتها سوف تموت كمدا لأنك لم تستطع أن تفعل شيئا،فإذا أردت أن تشاهد حلمك الخاص الذى ربما يتسرب منك، وصار على مسافة بعيدة عنك وتحاول اللحاق به ولديك يقين أنك لن تلحقه، فأنت الآن تشاهد عرض «إضحك لما تموت» من تأليف الكاتب الكبير لينين الرملى ومن إخراج المخرج الكبير عصام السيد، أعتقد أنك سوف تشاهد عرضا يجعلك تضحك سخرية وألما، وخاصة مما تتعرض له شخصية يحيي( نبيل الحلفاوي) الأستاذ الجامعى المرموق،صاحب الرؤية التى حرضت أفكاره الشباب لفعل الثورة التى كان مؤمنا بها فى فترة سابقة وشعر أن نتائجها على الوطن العربى أكثر بشاعة من نكسة 67، خاصة حين ركبها أصحاب التيارات والأجندات الخارجية وسخروها لتدمير الوطن، ولكنه شخصيا لم يعد يؤمن بما علم وثقف، وربما حرض فى أوقات سابقة،فالمثقف المرموق صار الآن شخصا آخر يبحث عن ابنه الذى أمن بما كان يعتقد سابقا، فالدكتور يحيى يدفع ثمن أفكاره من دمه تلك المرة بعد قتل ابنه فى الثورة، رغم المحاولات المستميتة أن يستعيده جاهدا، لكن بعد فوات الأوان، فقد فقد إيمانه وفقد ابنه فى الوقت نفسه.
ويفقد فنان الثورة ومصورها وموثقها «طاهر شريف» محمود الجندى ابنته فى بلاد الصقيع والبرد والغربة وهى تبحث عن أحلامها الزائفة فى بلاد أوروبا، كانت العلاقة بينها مجرد مكالمات تليفونية لا تكتمل فى أغلب الأحيان، فقد كانت البنت تبحث عن شيء غير محدد المعالم وغير واضح فى تلك البلاد القاسية،نحن فى النهاية أمام صديقين فقدا أعز ما يمتلكان فى الدنيا،ألا وهما الأبناء، أحدهما كان منشغلا عن ابنته بنفسه وترك لها الحرية المطلقة،غير المنضبطة، والآخر بث أفكار ورؤى وأيدلوجيات ثم تخلى عنها بعد أن اعتنقها ابنه.
ونجد خلف الشخصيتين اللذين تقابلا فى منزل (يحيي) تنويعات تسير فى السياق نفسه، سنجد الجثة المتحركة التى تتحرك فى الشقة وتبحث لها عن مأوى فى نظر من يراها، سنجد شربات البنت التى تسكن مع يحيى فى شقته وتبحث لها عن ذات بعد أن ضاعت فى الشوارع،و حين تجد حلمها فى شاب من شباب الثورة يراها بنتا جاهلة أمية ضائعة لا تصلح إلا وعاء يفضى فيه شهوته وألمه،رغم أنها أحبته جدا وساعدته لكى يكمل شفاءه بعد أن وافق يحيى أن يقيم لبعض الوقت عنده فى الشقة، كادت أن تعطيه نفسها إلا أنه كما يقول المصريون كان نذلا معها ولم يتجاوب رغم أن يحيى رآه الأمل، وسنجد حبيبة الاثنين/طاهر ويحيى اللذين طالما تنافسا عليها، لكنهما يكتشفان فى النهاية أنها تزوجت أحد تجار الإسلام السياسى فى مفارقة قد تكون مؤلمة لدى البعض ومضحكة لدى البعض الآخر.
استطاع المخرج الكبير عصام السيد أن يحرك كل الأشياء فى شقة دكتور يحيى رغم ثبات المشهد الأساسى الذى تدور حوله كل المشاهد والأحداث الأخرى فى العرض المسرحى من خلال ثنائيات كانت فاعلة ومحركة للحدث؛فتابع الجمهور ثنائية دكتور يحيى وطاهر شريف، وثنائية طاهرو ابنته، وثنائية يحيى وابنه، وثنائية شربات وشاب الثورة، وثنائية يحيى والجثة.
وفى الختام، أرى أن أهم ما يميز العرض لغة الإشارة التى قد تشير لأشياء بالطبع وراء الحدث،و خلف الكلام الدائر بين حوار الشخصيات، هذه اللغة التى تحذر من مغبة أن نترك الشباب فريسة للآخرين الذين يتربصون بهم الدوائر بلا تفسير وشرح، وبلا تواصل وحوار معهم ونحن منشغلون عنهم بصراعات وتفسيرات وإتهامات، بعضها مغرض وله مصالح، بينما الآخر يعمل على الأرض كل ساعة لكى يأخذهم ثانية إلى دائرة التشتت والضياع، وهنا سيكون الضحك حتى الموت إن لم نفق قبل فوات الآوان!!.