
حازم منير
خالد محيى الدين
فى حياة الأوطان شخصيات تترك بصماتها حتى ولوكانت بعيدة عن السلطة ولذلك هى شخصيات لا تكتسب قيمتها من الأحداث وإنما هى التى تضفى قيمة وأهمية على الأحداث ومن بين هذه الشخصيات خالد محيى الدين الذى منحه التاريخ لقب الزعيم وخصص له أبوابا عدة فى كتاب الوطن.
منذ لحظة انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار وهوصاحب شخصية متميزة وصاحب قرار من صلب تفكيره لذلك ورغم متانة الصداقة بينه وبين جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليوإلا أن ذلك لم يمنع الخلاف والصدام بينهما ودفع بناصر لإصدار قرار نفى غير رسمى بتعيينه سفيرا لمصر فى دولة أوروبية.
انتماء الرجل للوطن كان عميقا فرغم نفيه تحت مسمى تمثيل الوطن بالخارج لم يمنعه أبدا من المطالبة بالعودة للوطن والوقوف إلى جانب القيادة التى أبعدته من أجل الدفاع عن مصر فاللوطن فى فكر الصاغ الأحمر مكانة متميزة تفوق المواقف والأزمات الشخصية.
أتذكر فى العام 1985 حدث صدام وخلافات واسعة قبل إطلاق المؤتمر الأول لاتحاد الشباب التقدمى – الجناح الشبابى لحزب التجمع – وانسحبت غاضبا مقررا الخروج من اللعبة وفوجئت باتصال هاتفى من السيدة هدى حسين سكرتيرة الأستاذ خالد تبلغنى رغبة الريس فى لقائى خارج مقر الحزب.
فى اليوم التالى مباشرة وعلى مائدة بمحل «جروبى» وسط القاهرة قال لى الريس جملتين لا تنسحب وارجع إلى مكانك ولا تفعل مثلى حين انسحبت عام 1954 من مجلس قيادة الثورة بسبب خلافى مع عبد الناصر لأن الانسحاب لا يحقق شيئا بالعكس يتسبب فى نتائج سلبية.
هكذا كان الرجل حريصا على نقل خبراته للشباب المحيط به يومها، سألت نفسى ما هى قيمتى حتى يلتقينى «الزعيم» ليطلب منى الاستمرار فى موقعى لكن اللقاء فى حد ذاته كان درسا ثانيا لا تقلل من قيمة أحد ولا تستهين بأى أحد فلكل شخص قدره ومكانته.
كانت هذه اللفتة واحدة من سمات شخصية الراحل خالد محيى الدين مؤسس حزب التجمع الذى التف حوله مئات الآلاف من المصريين وقت تأسيس منبر اليسار برئاسته عام 1976، وتحت قيادته تعرض التجمع لحملات عنيفة وتعرضت قياداته لمطاردات وتهديدات فى العمل والرزق ولحملات اعتقال فخرج عشرات الآلاف من عضوية الحزب خوفا لكن ظل الحزب متماسكا.
من أهم ما رسخه خالد محيى الدين درس الحفاظ على شخصية التجمع واستقلال هويته فى مواجهة ضغوطات فصائل اليسار المختلفة لذلك ظل الحزب متمسكا بالشرعية الدستورية رافضا لأي مواقف أوأساليب تخرج عن حدود القانون وعن البرلمان وسيلة للتغيير.
معارك خالد محيى الدين من أجل الوطن كثيرة ومتنوعة وعديدة كان يعلم جيدا كيف يوائم بين المبدأ وبين المصلحة الوطنية ويعرف الفارق بين الرغبة وبين القدرة ورغم التناقض العنيف بينه وبين الراحل أنور السادات إلا أن ذلك لم يمنعه من رفض أساليب الإساءة والاتهامات.
كان الأبنودى يلقى قصيدة بمقر التجمع وفى نهايتها قال: «والمتهم خالد» فى إشارة إلى خالد الإسلامبولى قاتل السادات الذى اعتبره الأبنودى « خالدا « فى مواجهة الرئيس الراحل فوقف خالد محيى الدين غاضبا معلنا رفضه لما حدث وقال :« القاتل إرهابى وليس خالدا».
ستظل مسيرة خالد محيى الدين محطة مهمة فى تاريخ الوطن.