
حازم منير
فى دروس الرقابة
لماذا هدأت أحداث سيول القاهرة الجديدة سريعًا وتوقفت عمليات النقد وهدأت روح الغضب بين الناس الذين انصرفوا عن متابعة الأمر وانشغلوا بأمور الحياة مرة أخرى دون أى بقايا لضغائن أو غضب ضد الحكومة ومسئوليتها عما حدث.
المسألة وبمنتهى البساطة أن الناس فوجئوا بتعامل رسمى مختلف لم يعتادوه، تعامل اعتبر أن الأولوية لحق الناس فى المعرفة، وأن تقديم المعلومات والحقائق مقدم على التبرير والتفسير، وأن تحديد الأخطاء والقائمين عليها أقصر الطرق لعقول المواطنين، وأن تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير أقصر المسافات بين الرأى العام والدولة.
سرعة تحرك جهاز الرقابة الإدارية بعد تكليفه بتحقيق ما حدث، كان كفيلًا بقطع الطريق عن كثير من التداعيات ومنها اختراق جماعات التطرف للأحداث بتمرير شائعات وترديد أكاذيب والترويج لوقائع مختلقة ومواقف مُخترعة، كانت كلها كفيلة بخلق مناخ سلبى فى العلاقة بين الناس والدولة.
الرأى العام يحتاج إلى مؤسسات قادرة على بناء جسر متين للعلاقة تنقل له المعلومات سريعًا وتُبصره بالحقائق وتقدم له المعلومات الحقيقية ولا تسعى إلى استخدام أسلوب المناورة فى عرض الجذور الحقيقية للصورة.
الرأى العام يحتاج لمؤسسات تحترمه وتعتبره صاحب الحق الأول فى القرار، مؤسسات تتعامل بمنطق أنها تعمل لدى الشعب وليست آمرة عليه، مؤسسات تؤمن بأن الحقائق والمعلومات مُقدمة على التفسيرات والتبريرات.
الرأى العام يحتاج الى مؤسسات مؤمنة بأن القانون سيف على رقاب الجميع، الكبير قبل الصغير، مؤسسات تقدم للناس الحقائق كما هى دون تجميل أوتغيير، مؤسسات لا تتستر على مُهمل أوفاسد ولا تتهاون أوتتخاذل فى الحفاظ على المال العام .
سرعة التلبية، والمبادرة بالتحرك الإيجابى، وإعلان الحقائق دون تأخير، تقطع الطريق على القيل والقال، وتسد المنافذ على محاولات الإساءة لجهود رسمية جادة لحماية حقوق الناس.
من أهم الدروس أن تصبح أنت مصدر المعلومات وأساس المعرفة وليس غيرك، وأن ينتظر الناس بيانك للاطلاع على الحقائق، وأنت بذلك ترسم للرأى العام مساره وتحدد له مصادره لتلقى المعرفة فى إطار معلومات حقيقية ليست مزيفة ولا مصطنعة، وتسد الطريق على محاولات تهييج الرأى العام وتُفشل كل وسائل التحريض والإثارة.
لوتحركت كل أجهزة الدولة وفقًا لهذه المفاهيم فى التعامل مع الأحداث الكبرى أو فى طرح القضايا على الرأى العام، ولو تمكنت من إقناعه أنها تحترم حقه فى تلقى المعلومات الحقيقية بتقديمها كما هى، وأنه صاحب الحق فى تقييم هذه المعلومات وتصديقها من عدمه، بالقطع سيختلف الحال تمامًا، وسنضع أساسًا لتغيير حال فقدان الثقة بين مؤسسات الدولة وبين الشعب.
درس الرقابة الإدارية فى التعامل مع سيول القاهرة الجديدة درس بليغ فى أساليب الإدارة الديمقراطية وقواعد وأسس الدول الحديثة، والأهم درس فى احترام حق الشعب فى تلقى المعلومات والمعرفة الصادقة الحقيقية، لذلك ماتت الشائعات والأكاذيب فى مهدها.