الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مقال جديد لن يعجبك!

مقال جديد لن يعجبك!






لطالما كنت مستعدًا أن أدفع ثمن ما أعتقد فيه، وأقتنع به، لا أخشى فى ذلك حملات الهجوم الممنهج، أو أن تفقد كتاباتى شعبية لا أسعى لها.. اعتدت دومًا أن أكتب على خط النار، أسير بقلمى بمحاذاة خط الاستواء، لا أركب موجة الرأى العام، ولا أسير مع القطيع بحثًا عن انتشار مزيف، تعلمت أن الكلمة أمانة وشجاعة وليست بطولة.. والفارق كبير!
لم أضبط نفسى مترددًا، أو متوجسًا فى معترك الكتابة مهما كانت درجة سخونة القضية، وقضية رفع الدعم الجزئى عن الطاقة هى «جهنم الحمرا» بفعل فاعل معروف ومرصود ومفضوح لتأليب الرأى العام حينا، ولتحقيق مكاسب سياسية فى أغلب الأحيان!
أذكركم ونفسى، أن «عبدالفتاح السيسى» لم يستلم حكم البلاد بعد فترة حكم الإخوان، وما أحدثته أحداث يناير، فمن عطب فى قلب وعقل الدولة وهى سويسرا مثلًا، كان الوضع مأساويًا بكل المقاييس، التقارير مفزعة، حسابات اللحظة وقتها مقلقة، الظرف السياسى والتاريخى مأزوم، بحسابات الورقة والقلم فإن العبور بالبلاد وإنقاذها هو المعجزة بذاتها.
   تقديرات الموقف وقتها تعظم من الآثار الجانبية والتبعات والعقبات التى تواجه صانع القرار لو قرر الإصلاح.. كالعادة دخل المستشارون على خط تحذير الرئيس حينها من اتخاذ القرارات الواجبة لاعتبارات الشعبية وإرضاء الجماهير على حساب المستقبل وحق الأجيال القادمة وإنقاذ الدولة ووضعها على طريق الإصلاح الحقيقى.
   ضاربًا بكل هذه التحذيرات، قرر السيسى اتخاذ القرارات الواجبة، لم تكن الشعبية ضمن حساباته فى كل قراراته، طالما حققت المصلحة الوطنية، فالضريبة المدفوعة حاليًا مؤلمة، لكنها تصحح البدن وتعيد له نشاطه وتعافيه من المسكنات التى مهما طالت لن تشفيه من مرض مزمن يتعاظم ويتكاثر حتى يأتى على الدولة وما فيها!
من فاروق ملكًا حتى الجاسوس مرسى رئيسًا.. لم يستطع حاكم مصرى أن يمس منظومة الدعم على فسادها، وتضخمها، حتى أصبحت عبئًا وعائقًا أمام أى إصلاح اقتصادى حقيقى، أثرت بشكل سلبى على الخدمات المقدمة للمواطن، وخصوصا فى التعليم والصحة، والتهمت الجزء الأعظم من الموازنة، ولم تعد تصل إلى مستحقيها الفعليين، وبها اتسعت رقعة عجز الموازنة بما يفوق ثقب الأوزون، وكان الاستمرار على نفس المنوال مصيره سقوط مصر واحتلالها سياسيًا واقتصاديًا.
كرة النار العابرة للأزمنة والرؤساء، التى اكتفى الجميع بتصديرها أكبر حجمًا لمن يليه لم تجد صدرًا شجاعًا يستقبلها ويعالجها، إلا «عبدالفتاح السيسى» فنفخ فيها من شعبيته غير عابئ بتراجعها، فمن تشجع وإنحاز لشعبه ووطنه أمام العالم فى 30 يونيو، لا تعنيه شعبية مؤقتة أو كلمات إشادة للاستهلاك الشعبى لن تبقى ولا تذر!
تحت شعار «مش هانبيع الوهم للناس»، انطلقت حركة الرجل نحو وطنه، وأمام جميع المصريين، تعهد بأن يتخذ كل القرارات الصعبة التى لم يجرؤ سابقوه على اتخاذها.. أرصد تصريحاته الاستباقية ثم طابقها مع سلوكه الرئاسى المعلن، ستجد تطابقًا مدهشًا، فإذا كانت الأوضاع الاقتصادية قد تدهورت طوال فترة الرئيس الأسبق مبارك، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة وتراجع الإنتاج، كما تعالت الأصوات الثورية وقتها، وروجت لذلك ودعت للخروج عليه، فإن المنطق يقول: إن إجراءات العلاج حتما ستكون آلامها وأعراضها الجانبية على قدر جسامة المرض وخطورته!
   مصر ليست غرفة منفصلة عن العالم من حولنا، بل تؤثر وتتأثر بمحيطها الإقليمى والدولى، وما ينسحب على الدولة ينسحب على الشعب بالضرورة، علينا أن نعيش وأن تتوافق سلوكياتنا مع العالم.. لا يستقيم أن يكون حجم استهلاكنا يتجاوز حجم إنتاجنا، ونريد أن نكون فى نفس المستوى المعيشى لدول تعمل شعوبها ليل نهار، ويرشد فى إنفاقاته واستخداماته للطاقة، وكذا يحدد نسله.
   هذا هو العالم من حولنا، ونحن جزء منه، لكننا ارتكنا إلى السلوك السلبى، والفهلوة، والتكاسل.. فالأمم جميعها تقدمت من رحم المعاناة، ذاقت المر أضعافًا مضاعفة فى سبيل نهضة بلادها، هى قصص تستحق أن تروى ولا تسع المساحة هنا، نذكر التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، أو كيف صعدت الصين لتقود العالم فى 35 عامًا.. والأمثلة كُثر فلا حلاوة بدون نار!
منذ صدور القرارات الاقتصادية الأخيرة، والتى انتهزها فرصة كل صاحب غرض ومرض على مواقع التواصل الاجتماعى للتسخين والتهييج بلا وعى، مستخدمين سياسة قيادة القطيع دون أن يستطيعوا أن يذكروا لهم حجم المعاناة والأثمان المدفوعة من قبل الشعوب لبناء أوطانها.
لا يجرؤون مصارحة الشعب المصرى بحجم الجهد والتقشف والعمل التى بذلها الشعب السنغافورى وحكومته، رغم أن مساحتها أصغر من العاصمة الإدارية الجديدة.. لا يجرؤون على مصارحة الشعب أن مؤسس نهضة سنغافورة.. «لى كوان يو» مكث فى الحكم ثلاثة عقود متتالية، لا يجرؤون على الاعتراف بمبادئ فلسفته الاقتصادية التى بنى عليها نهضة بلاده القائمة حتى الآن.. وإليك هذه المبادئ التى دونها الرجل بنفسه، وصارت دستورًا للعمل والبناء:
■ لا تصبر على أنصاف الحلول.
■ تحدث من منطلق القوة.
■ لا تقلق من نتائج استطلاعات الرأى الشعبى.
■ لا تخشى أحدًا ما دامت يدك لم تتلوث بالفساد.
■ لا تخشى السياسات الحادة والقاسية من أجل الوصول للأوضاع الصحيحة.
   أعود بكم إلى مصر.. حيث نحن بصدد الحديث المباشر عن إعادة هيكلة الدعم كمصطلح اقتصادى علمى منضبط والذى يُستغل شعبيًا بعنوان إلغاء الدعم!
   هل يملك المزايدون شجاعة الصدق لمواجهة جمهورهم المغرر به، بحجم الدعم الذى يصل لغير مستحقيه، وهم فى مقدمة الفئات غير المستحقة بعدما تراكمت ثرواتهم؟ هل يملكون الشجاعة الوطنية أن يواجهوا جمهورهم المخدوع، بأن الإجراءات التى تم اتخاذها كانت أمرًا حتميًا لخفض عجز الموازنة؟ هل لديهم الشجاعة لكى يواجهوا المخدوعين بأنهم يحصلون على أسعار الطاقة بنفس الأسعار التى يحصل عليها محدود الدخل ممن يدعون أنهم يدافعون عنهم؟!
ما سبق عرضه حقائق علمية، وما تم اتخاذه من قرارات اقتصادية إصلاحية هى خطوات حتمية، وهى بمثابة جرعات علاج اقتصادى حتمى للأورام والأدران العالقة بجسد الاقتصاد المصرى منذ سنوات، تجاهلها أو تجنب اتخاذها أو الخوف من الإقبال عليها جريمة كاملة الأركان فى حق الوطن والأجيال القادمة، هذا من الناحية الاقتصادية والعلمية.. أما من الناحية السياسية فإن استخدام مقدرات الوطن ومصيره من أجل بناء شعبية مؤقتة فإنها الخيانة بعينها.
   أقول هذا وأنا أعلم أن هناك من زملاء المهنة سيتوارون خلف ستار، أو يركبون موجة الجماهير والمزايدة، أو حتى يصمتوا ويختفوا من المشهد، حتى لا تطالهم نيران النقد والأسعار، سوف يتاجرون بكم، ويحاولون مغازلتكم دون وقفة نقد مع النفس والضحية والوطن.
   فى الغرف المغلقة سيعترفون أمام المسئول الكبير بصحة القرارات وصوابها، وإن مواقفهم المعارضة، هو تخوفهم على شعبية النظام، والحقيقة أنهم حريصون على شعبيتهم هُم!
استقيموا.. فالرجال مواقفها أسماءها!