الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مقاييس الجمال بين أنطونيوس وأبوللو

مقاييس الجمال بين أنطونيوس وأبوللو






(فلترحل يا ذا العينين الناعستين نحو مصير حزين يحمل حابى المقدس جسدك الأبوللونى الجميل ويمضى بك إلى الخلود إلى ضفاف خالية إلا من دموع عذارى الغاب الذين سوف يبكونك كما بكين نركسيوس المفتون بصورته كما يبكين فتيات المحيط على إيكاروس الذى حملته أحلام الشباب عاليًا نحو هليوس وألقت به فى أعماق البحر الأيجى ... فلتسلم روحك يا أنطونيس العزيز ولتحمل اسمك بقعة رائعة فوق شطآن النيل المقدس .. ولتنبضى يا مدينته الجديدة بالحياة والحب).
هكذا رثى الشاعر الرومانى سيليوس ماركوس الشاب الوسيم أنطونيوس الذى خلد الفن وسامته وتناسق مقاييسه الجسدية والذى ربما اتخذه الفنانون مثالًا وموديلًا حيًا على اكتمال المقاييس الجسدية للشاب الرياضى ولن نبالغ إذا قلنا أن النموذج الأنطونينى حل محل النموذج الأبوللونى كما حل النموذج الأبوللونى قبل ذلك محل نموذج الكورس الشهير حيث إن النحت الكلاسيكى أصبح منذ عهد بوليكلتيس وفيدياس وميرون يبحث عن غاية التناغم بين أعضاء الجسد البشرى حتى تبرز كسيمفونية موسيقية تتناغم وتتآلف وتوحى للعين بفكرة الجمال من خلال هذا التناغم.
الحقيقة أن النماذج الموجودة لأنطونيوس تتعدى ما يقرب من 200 نموذج موزعة بين عصور كثيرة مما يدل على أن النموذج الأنطونينى قد سيطر على الكثير من الفنانين فى عصور عدة ومن أجمل هذه النماذج تلك الرأس الضخمة لأنطونيوس الموجودة فى جناح دينون بمتحف اللوفر بباريس والذى يعتبر بحق من أكمل النماذج من حيث إنه بورتريه واضح للرأس وملامح الوجه مع تصفيفة الشعر التى اشتهر بها الآله أبوللو الإغريقى ثم بعد ذلك سميت بتصفيفة الشعر الأنطونينى نسبة لأنطونيوس فيما بعد وبغض النظر عن نظرية الجسد الرياضى للذكر فإن أنطونيوس نفسه صاحب حكاية تراجيدية كبيرة أحاطها الغموض واختلطت بالحكايات الشعبية سواء المحلية فى مصر الرومانية أو فى روما نفسها فأنطونيوس نفسه مجرد شاب بسيط من آسيا الصغرى التحق بالقصر الإمبراطورى فى روما وهناك روايات كثيرة لذلك فالبعض يرجح أنه كان أساسًا ابنًا لعبد معتق لكن فى النهاية ولشدة وسامته وتمتعه بذاكرة قوية فى حفظ الشعر أصبح نديمًا للإمبراطور الرومانى هادريانوس والذى اصطحبه معه فى رحلته إلى مصر فى عام 130 ميلادية وأثناء رحله نيلية باتجاه أسوان غرق أنطونيوس الجميل وفى الموقع الذى غرق فيه والذى كان أطلالًا لمدينة فرعونية قديمة قرر هادريانوس بناء مدينة جديدة وإطلاق اسمه عليها ( أنطينوبوليس) وظلت تعرف باسمه حتى الآن مع بعض التحريف ( مدينة قنا حاليًا)  حيث تطور الاسم من أنطينوبوليس لأنصينا فى العصر الرومانى المسيحى ثم قنا حاليًا وتعتبر إطلال المدينة القديمة هى محل بلدة الشيخ عبادة حاليًا .
حصل اللوفر على هذه القطعة النادرة التى كانت أساسًا مملوكة لأسرة بورجيزى الإيطالية والتى كان قصرهم ( فيلا بروجيزى ) فى روما متحفا يضم أهم التحف الرومانية والنسخ الرومانية لأعظم الأعمال الإغريقة القديمة وربما أيضًا بعض القطع الأصلية التى لا يعرف تاريخها على وجه التحديد لكن هذه الرأس للفتى أنطونيوس وجدت فيما بعد بفيلا ماندرونى بإيطاليا وتعتبر من أهم مقتنيات اللوفر الآن .
ويمثل هذا البورتريه النصفى لأنطونيوس ذوق القرنين الثانى والثالث الميلادى  فى فن البورتريه وهو يتشبه فيه بالإله أبوللو إله الفن والشمس عند الإغريق والرومان وخاصة تصفيفة الشعر الشهيرة التى اشتهرت بها تماثيل أبوللو .
لكن علينا أن نؤكد أيضًا أن معظم تماثيل أنطونيوس قد تكون هى نفسها تماثيل لأبوللو وإلا سوف يكون من قبيل المبالغة أن نقول أن أنطونيوس احتل مكان أبوللو فيما بعد القرن الرابع الميلادى .. والدليل على ذلك هو ذلك الخلط بين تماثيل أبوللو وأنطونيوس لدرجة أن هناك تمثالًا بإحدى قاعات المتحف المصرى بالتحرير هو أساسًا لأنطونيوس لكنه معنون خطأ بأنه تمثال الإله أبوللو .
مات أنطونيوس وهو فى عمر العشرين عامًا وكتب بعض الشعراء الرومان المغمورين ملحمة أطلقوا عليها الملحمة الأنطونينية تخليدًا لذكراه نظرًا لحب هادريانوس الشديد له.