الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«انسف تاريخك»

«انسف تاريخك»






32 شارع «عبدالعزيز»، تاريخ مهدد بالضياع، لافتة تعلو مبنى وقف شامخا من 1904 وحتى الآن، تكشف عشقنا لإهدار تاريخنا.
 فى عام‏ 1904 ‏كان‏ ‏المسرح‏ ‏الوحيد‏ ‏للتمثيل‏ ‏فى ‏القاهرة‏ ‏هو‏ «‏التياترو‏ ‏المصرى‏» ‏فى ‏شارع‏ عبد‏‏العزيز، ‏هذا التياترو تحول إلى أول دار عرض سينمائية فى مصر، ‏باسم  ‏سينما‏ «‏أوليمبيا‏».
السينما التى وقفت شامخة لأكثر من قرن وتحديدا 114 سنة باتت مهددة بالهدم، اللافتة تقول: إن المبنى سيتم هدمه!
قبل صدمة الهدم، علينا أن نعرف أن السينما التى تحمل تاريخا كاملا، تحولت إلى مخزن للأدوات الكهربائية!
سينما أوليمبيا والتى يتعدى عمرها قرنا من الزمان، ولم تسجل كأثر لسبب غير مفهوم، هى أول وأقدم سينما فى مصر.
لم نسجلها كأثر ولم نستفد منها سياحيا، ولن نستطيع الحفاظ عليها، فى وقت تبحث الدول عن أى شىء ليقولوا عندنا تاريخ، حتى لو كان هذا التاريخ خياليا من وحى خيال كاتب!
نعم العالم يحتفى بتاريخه الخيالى والافتراضى ونحن لا نستطيع الحفاظ على تاريخ وحضارة من لحم ودم. فشخصية خيالية مثل «شرلوك هولمز» مفتش المباحث الذى يقضى وقته كله فى حل ألغاز وجرائم القتل والسرقات والتى ابتكرها الكاتب «سير آرثر كونان دويل»، حولها الإنجليز إلى تاريخ، ووضعوها على خريطة السياحة وكتبوا فى نشراتهم السياحية «إذا كنت من محبى المخبر «شارلوك هولمز» الشهير فينبغى عليك أن تزور هذا العنوان، 221 شارع بيكر، والذى يُوصف بأشهر عنوان فى العالم، فهذا المتحف الصغير، مع تمثال فى نفس الشارع هم رموز شرلوك هولمز فى لندن.
سويسرا أيضا صنعت تاريخا لشارلوك هولمز، وتقيم رحلات إلى شلالات رايشنباخ فى سويسرا، فى 4 مايو، للاحتفال بذكرى مقتل المخبر الأشهر، فهذا المكان اختاره المؤلف «كونان دويل»، ليتم قتل المفتش الشهير فيه.
السويد أقامت دار عرض صغيرة فى منزل  المخرج الكبير «انجمار برجمان»، أقاموها  فى الجزيرة التى أحبها وعاش فيها  «فارو» التابعة إداريا للدنمارك، يعرضون  فيها أفلامه، ويدعون نقادا ومشاهير من كل دول العالم للاحتفاء بالرجل الذى صنع للسويد اسما وسط عمالقة السينما فى العالم!
هكذا يفكر العالم ويستفيد من تاريخه ،وحتى لو كان خياليا!
  هنا لا أحد يهتم، ولا يبدو أن أحدا سيهتم، فالأرض المقام عليها السينما كانت ملكا لشريف باشا رئيس وزراء مصر خلال عهد الخديو توفيق، وبسبب عشقه للفن أهداها للشيخ سلامة حجازى لتكون مقرا لأول مسرح فنى فى مصر فى عام 1904 وكان الشيخ سلامة حجازى هو مطرب الفرقة، التى كان يملكها إسكندر فرح، وظلت «تياترو» إلى أن انتشرت «السينماتوغراف» الصور المتحركة فتحول المسرح إلى سينما، وكان العرض السينمائى الأول فى يوم 10 أكتوبر 1907 ولكن ظلت أيضا العروض المسرحية تقدم على مسرحها، وحتى قرر صاحبها «مسيو باردى»  سنة 1911 تحويلها إلى سينما بالكامل وأطلق عليها اسم أوليمبيا.
وعلى ذكر ملاك السينما، الأهم فى تاريخنا، فإن ملكية  السينما كانت  للثنائى «باردى وكرياكوس»، ثم انتقلت ملكيتها إلى «حسنى الشبراوى»، أول مالك لها من المصريين، حتى وصلت الملكية إلى سمير عبدالعظيم.. فى رحلة شاهدة على تاريخ مصر السياسى عبر قرن من الزمان.
وعلى ذكر الآثار، ولماذا لم تسجل كأثر، يكفى أن أشير هنا إلى أن أول بند فى قانون حماية الآثار يقول :«يعتبر أثرا كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التى قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها. وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها».
لا تعليق لدى ولا أعرف سببا لتجاهل وزارة الثقافة ووزارة الآثار وهيئة التنسيق الحضارى لسينما أوليمبيا كل تلك السنوات، ولا أدرى هل ستستجيب أى من هذه الجهات  أو غيرها، ونبدأ حملة لإنقاذ جزء مهم من تاريخنا وتاريخ العالم الإنسانى أم أن الأمور ستظل فى طى الكتمان حتى نجد مسخا عمرانيا فى شكل مبنى يقف مكان سينما أوليمبيا.