الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مسيحيو «الشرق» ومسيحيو «الشروق»

مسيحيو «الشرق» ومسيحيو «الشروق»






صباح أحد الأيام عام ٢٠٠٩ تصدر شاشة قناة cnn الأمريكية خبر عاجل بعنوان: «سلسلة تفجيرات تستهدف ٦ كنائس فى العراق خلال ٢٤ ساعة»، بعدها تابعت وسائل الإعلام الحدث من خلال عناوين هوليودية ذهبت إلى التناول الدرامى للخبر بنشر مكثف لعناوين مثل «لماذا تغلق الكنائس أبوابها فى بغداد؟»، «كنائس العراق تحترق»، واستمرت التغطية الخبرية على هذا النحو كما لو كانت جميعها تستغل الحدث من أجل بناء حالة سياسية معدة مسبقا لرسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق بمداد الطائفية البغيضة، التى يتم تصنيعها بتوافق بين الأجهزة فى الغرب وجماعات استخدام الإسلام سياسيًا.
هكذا اتفق صناع الإرهاب الجدد على المنطقة بعدما وقعوا وثيقة مخططهم المختومة بخاتم الدماء البريئة، التى سالت على جدران الكنائس وخالطتها دموع الأيتام والثكالى فارتوت منها الأستار المقدسة.
 ألسنة اللهب لم يطفئها الزمن بفعل اللاعب الدولى الذى لم يتوقف أبدا عن سكب زيت التطرّف على نيران الطائفية إلى أن وصلت لكنيسة «سيدة النجاة» أواخر العام ٢٠١٠ فى ظل وجود أمريكى لم يغن أو يسمن من جوع، لم تظهر تأثيراته إلا من خلال النقل السينمائى المباشر للحدث، الذى عرف طريقه سريعا إلى الشاشات ليتحول مسرح الجريمة إلى مسرح للعبث الدولى.
شظايا «سيدة النجاة» لم تتوقف عند حدودها المتوقعة بل امتدت موجاتها الانفجارية وصولا إلى كنيسة القديسين فى الإسكندرية فى الليلة الأخيرة من ليالى ذات العام، إيذانا ببدء اللعب المفتوح فى مسرح عمليات الشرق الأوسط!
قبيل الانتخابات الرئاسية التى نجح فيها المتخابر محمد مرسى العياط كان قداسة البابا شنودة قد تنيح منتقلا إلى الأمجاد السماوية، وقتها ظهر قيادى تنظيم الإخوان الهارب وجدى غنيم ليسب الرجل بلا مواربة معلنا بأريحية شديدة قائلا: «هلك رأس الكفر»، دون مراعاة لحرمة ميت أو لمشاعر من هو حى يغالب أحزانه!
تصريحاته كشفت الغطاء عن مخزون تكفير جوفى لطالما حاول التنظيم الإخوانى إخفاءه تنفيذا لتكتيكات تمويه مرحلية مارسها التنظيم ليخدع مجموعات نخبوية وأنظمة وحكومات وأجهزة فى الداخل والخارج.
تصريحاته انطلقت نحو جميع الأذرع المتأسلمة، التى التفت حول حاضنها الطبيعى تنظيم الإخوان لتتحرك نحو المواطنين المسيحيين قولا وعملا لترسيخ مفهوم عام أنه لم يعد لهم مكان آمن فى وطن يتم إعادة صياغته داخل مكتب الإرشاد، كل ذلك بالتزامن مع تسهيلات لإجراءات الهجرة راحت السفارات الأجنبية تعلن عنها، بينما تروج الصحف الغربية لتزايد أعداد المهاجرين المسيحيين بمبالغة إعلامية مقصودة لتحويل النبوءة إلى كيان قادر على تحقيق ذاته بالإيحاء.
 كانت أن هبت رياح السموم على الوطن العربى لتصل إلى مصر لتتصاعد ألسنة اللهب داخل كنيسة الشهيدين بقرية صول بأطفيح جنوب الجيزة، ثم يواصل اللهب امتداده ليصل إلى كنيسة العذراء بإمبابة خلال شهر مايو من نفس العام، بينما ظل الكثيرون وقتها يتحدثون عن التغيير فى ظل غيبوبة مما يحيط بوطنهم من تدمير، وبينما وقف الداعية المتسلف رداء ومظهرا محمد حسين يعقوب يتحدث عن غزوة الصناديق ويدعو المسيحيين صراحة إلى هجرة البلاد.
عملية التدمير استمرت حتى وصل التنظيم الإخوانى إلى الحكم بالإكراه عقب منع المسيحيين المصريين من حرية الإدلاء بأصواتهم أو الوصول للصناديق، لتمر الأيام وتتصاعد أحداث الاتحادية فيظهر القيادى خيرت الشاطر فى فيديو لازال متاحا يجاهر بأنه قد وصلت معلومات إلى التنظيم بأن غالبية من تجمعوا حول قصر الاتحادية من المسيحيين فى إشارة صريحة منه إلى العداء المعلن بين التنظيم والمسيحيين المصريين، فضلا عن تحريض تنظيمى ضد المسيحيين بعدما ضبطوا متلبسين وهم يعارضون المشروع الإسلامى.
تذكر ولا تخدع نفسك ستجد كل الأحداث تتجه لسياق واحد يتم الدفع نحوه مع نزع فتيل التفجير الذى دمر كنائس بغداد.
 على أرض مصر وفى ميادينها كان الموعد المشهود بعدما انطلقت ثورتها العظيمة فى ٣٠ يونيو التى أكدت نفسها ذاتيا يوم ٢٦ يوليو استجابة لما سمى بجمعة التفويض، لتتجمع  الملايين التى تناولت إفطارها على أصوات أذان المغرب الذى عانق أجراس الكنائس، بينما وقف المسيحيون المصريون يقدمون الخدمة للصائمين المصريين.
كان هذا المشهد كفيلا بتعطيل المخطط جزئيا داخل مصر إلا أنه عاود نشاطه الإقليمى تنفيذا لانسحاب تكتيكى مؤقت من المشهد المصرى، الذى أصبحت أضواؤه الكاشفة تمثل خطرا جسيما على المخطط.
 تحت وطأة الضغوط المصرية عاد المخطط إلى أرض العراق لتبدأ عمليات التهجير القسرى لمسيحيى الموصل وانتزاع أملاكهم تحت تهديد سلاح تنظيم داعش الإرهابى لتسارع نفس وسائل الإعلام الغربية بترويج عناوينها، التى يبدو أنه قد تم إعدادها فى صالة تحرير داعش لتظهر تحت عنوان «الموصل فارغة من المسيحيين» كان هذا كله فى غضون عام ٢٠١٤.
وبحلول عام ٢٠١٥ حاولت نفس وسائل الإعلام استنساخ نفس الحالة على أرض العريش وبفعل نفس الفاعل تحت عنوان «فرار عشرات الأسر المسيحية من العريش»، تساندها فى ذلك قنوات التنظيم الإخوانى المنطلقة على مدارات القمر الأوروبى وعلى مرأى ومسمع من الاتحاد الأوروبى.
وصولا إلى نهاية عام ٢٠١٦ جدد المخطط ضرباته بقسوة لتصل تفجيراته إلى الكنيسة البطرسية فى قلب القاهرة، ثم استمرت شظايا إرهابه حتى عام ٢٠١٧ لتصل فى نفس التوقيت إلى كنيسة مارجرجس فى طنطا، ومار مرقص فى الإسكندرية، ثم يتطور الهجوم ليتم استهداف حافلة رحلات مسيحية، كل ذلك لتوجيه رسالة للمسيحيين المصريين إنه لم يعد لكم مكان آمن فى وطنكم مصر، عليكم أن تهاجروا مندوبين وضحايا للتهجير القسرى فى عواصم أوروبا تروون مآسيكم على أرض مصر التى لم تعد أرضا للسلام أو العيش المشترك.
 على هذه الأرضية انطلق منذ أيّام مؤتمر بارى فى إيطاليا والذى جمع بطاركة ورؤساء كنائس الشرق ببابا الفاتيكان، لقاء ظاهره الرحمة وباطنه العذاب إصرارا على حجز مكانة دولية لمصطلح «مسيحيو الشرق» فى مفارقة مدهشة، فبينما يبنى التنظيم الإخوانى مظلوميته فإن دوائر غربية على اتصال بالتنظيم راحت تبنى مظلومية مسيحية مزعومة مستمدة من رحم التنظيم الإخوانى الذى نفذها بأيدى دواعشه فى منظومة معلنة عنوانها «الحرق ثم التفجير ثم التهجير»، لا يزعجهم من ضمير العالم إلا أصوات أزيز الطائرات المصرية عائدة إلى قواعدها بعدما ثارت لدماء المسيحيين المصريين الذين أزهقت أرواحهم على الساحل الليبى الذى استلمته مجموعات داعش هدية مجانية من حلف الناتو
 من مخطط الشرق البغيض إلى مدينة الشروق المصرية شهدت القاهرة حادثا أليما لاختطاف طفل مصرى مسيحى ينتمى لأسرة مسيحية أصيلة، وهى الحادثة التى أدت لحالة التفاف وطنى تضامنا وتعاطفا مع هذه الأسرة المصرية، تعاطفا لم يعرف دينا ولا طائفة كشف عن مخزون إنسانى مستمدا من عمق تاريخى أسطورى، وبرغم ذلك ذهب المتنطعون يسوقون أراجيفهمً إلى الرأى العام زعمًا بأن حالة الاهتمام من جانب الدولة لم تأت إلا لأن جد الطفل ذو حيثية رفيعة مكنته من اتصالات عليا، حسنًا فعل المرجفون عندما ساقوا إلينا واقعًا يقول إن المسيحى المصرى يمكن أن يكون له مكانة مهمة فى وطنه، لكنهم لم يفسروا لنا سببا لمظاهرة التعاطف والدعاء والصلاة التى أطلقها المصريون على شبكات التواصل  الاجتماعى تعاطفا مع الطفل الذى كان مختطفًا.
من مخطط الشرق الزائف إلى شروق الحقيقة مازال المصريون يقفون عائقًا ضخمًا فى وجه صناع الطائفية البغيضة تحيط بهم أصوات المآذن وترانيم الكنائس، فى مدينة الشروق وقف المصريون فرحين بعودة الطفل المختطف يقولون للعالم فى مصر لا مكان لطوائف أو طائفية فى مصر فقط «الله أكبر - الله محبة».