
حازم منير
حرب الانطباعات
يقولون فى السياسة إن الانطباع أهم من القرار، بمعنى أن الأهم من القرار هوالانطباع الذى يتكون عند الناس، وفى الفن قدمت السينما المصرية الكثير من الإبداعات المؤكدة لمقولة السياسة، أن الانطباع المتولد عند الناس تجاه شخص معين أهم بكثير من حقيقته .
لنتذكر فيلم رصيف نمرة خمسة وقناعة الناس بشخصية زكى رستم الشخص الطيب الورع المُحسن المصلى، وهو فى حقيقته زعيم عصابة للاتجار فى المخدرات وقاتل، بينما الناس لا تقتنع إلا بما تراه من المتردد على بيت الله.
وفى السياسة مثلا لدينا تجربة عملية هائلة وهى جماعة الإخوان الإرهابية، والتى عملت على توليد حالة انطباعية لدى الناس تجاهها كونها جماعة الله حماة القرآن والإسلام الأطهار الأبرار المحسنين الفاعلين للخير وغيرها من الصفات التى ولدت انطباعا معينا فى نفوس الناس عنهم.
لذلك لم يكن مهما لدى الناس فى الانتخابات العامة إن يسمعوا من رموز الإرهاب حديثا عن البرنامج السياسى أوالموقف الاقتصادى وخلافه، فالمهم لدى الناس أن هؤلاء الأبرار المحسنين أصحاب السمعة الطيبة الحسنة بمجرد الانطباع المتولد عن الفعل.
لم ينتبه أحد لما خلف هذه الحالة السطحية، ولم يسأل أحد نفسه وبماذا يؤمنون؟ وهل مواقفهم صحيحة أم كلها ادعاءات؟، وعشرات الأسئلة التى ضاعت فى الطريق بسبب طغيان الحالة الانطباعية على عقول الناس وتصدرها إقناعا للناس رغم كل ما يختفى وراء الانطباع السائد.
اعتقادى أن الحالة الانطباعية التى سادت فى وقت ما هى التى دفعت بالإرهابيين إلى حكم البلاد، لذلك فور إزالة الغلالة الساترة للحقيقة، وزوال هذه الصورة الذهنية اكتشف الناس حقيقة الإرهابيين، وبقدر قوة الصدمة كانت قوة رد الفعل فى إزاحتهم ليس من الحكم وإنما من الوطن بكل مكوناته.
فى تقديرى أننا نواجه الآن حرب الانطباعات والتى يبذل فيها أنصار الفوضى والإرهاب جهودهم لفرض صورة ذهنية فى عقول الناس من دون أحاديث السياسة أوالبيانات والفيديوهات وخلافه، هى حرب تقوم على اصطناع أحداث وتوليد صور ذهنية من أجل تسييد انطباعات معينة فى عقول الناس واستخدامها فى توليد الأكاذيب والتشهير بالدولة.
الصورة الانطباعية هى الخطوة الأولى فى هذه الحرب، مثلا رئيسة كرواتيا ورئيس تونس، ينتشر جراف مقارن بين الاثنين على واتس آب مستغلا صورة السيدة المحترمة فى كأس العالم، ويبدأ فى تمرير ترديدات لا تدرى حقيقتها من نوعية تسكن فى شقة ويسكن فى قصر، مرتبها ألف دولار ومرتبه مليار دولار، تسير بلا حراسة وكلفة حراسته مليار دولار سنويا.
وهكذا تدور الحرب بعد الخطوة الأولى بتحويل هذه الترديدات غير الصحيحة إلى وقائع وخلق صورة انطباعية سلبية لدى الناس، تستخدم فى التشهير والتحريض على الدولة، وهى صور لا تتوقف عند حدود مسالة واحدة إنما تتم فى مختلف المجالات عبر متخصصين فى اختلاق الأحداث وخبراء فى رسم الصور الانطباعية.
السياسة انطباعات وليست قرارات، ونحن نواجه حرب انطباعات منظمة، تستهدف ما هو أبعد من الحالة المتولدة عن هذه الانطباعت إلى إثارة الشك فى نفوس الناس تجاه دولتهم، وهى حرب تستلزم مواجهة من نوع مختلف تماما.