الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
توءمة القارة السمراء

توءمة القارة السمراء






قادمة من منابعها الأصلية، تمر المياه العذبة فى اتجاهها إلى مصر مرورًا بالسودان، على طول امتداد مجرى النيل تسير المياه نحو مصباتها الطبيعية بحركة هادرة وبنفس درجة كثافتها، لكن بمجرد أن تصل للسودان تجد حركتها وقد هدأت بفعل الطبيعة لتستمر فى الانطلاق بدرجة كثافة أعلى بعدما منحها المجرى السودانى من فيض عطاءاته تراثًا وتاريخًا وأخوة ومحبة لتصل إلى المصريين فى الوادى الخصيب تروى ظمأهم المستمر نحو التواصل مع الأشقاء فى السودان، كل قطرة ماء هى رسول للإنسانية من شقيق سودانى إلى توءمه المصرى.
 الرسائل المحمولة داخل قطرات المياه العذبة تقول إن السودان أحرص الناس على تدفق المياه نحو مصر، فكلما تدفقت بمعدلاتها الطبيعية اطمأن السودان على مخزون رصيده الإنسانى من الحب والتقدير داخل وجدان كل مصرى، محمولة على سطح المياه حتمًا تصل السودان يوميًا إلى كل بيت مصرى.
ليست علاقة جوار فحسب بل علاقة توءمة إقليمية فريدة أراد القدر أن تكون نموذجًا لحالة تكامل فطرى قادر على تجديد ذاته بمرور الزمن.
كل سودانى يفتقد شيئًا على أرض وطنه تتجه غريزته مباشرة للبحث عنه على أرض مصر الطيبة، فلما يجده يحط رحاله حيث وجد ضالته المنشودة، فإذ به محاطًا بحالة من الألفة لا تمنحه فرصة للشعور بالغربة وسط أشقائه المصريين، الذين تشربوا بالوجود السودانى فى شوارع مصر العريقة باعتباره مكونًا اجتماعيًا يوميا ألفته العين فاحتل مكانة مميزة فى القلب.
السودان ليست امتدادًا إقليميا للأمن القومى المصرى فحسب بل دليلا على روافد الإنسانية السياسية لمصر ، إذا أردت أن تعرف مخزون العطاء المصرى اذهب إلى السودان ، وإذا أردت أن تعرف رصيد الطيبة والصفاء عد إلى القاهرة وانظر إلى الوجوه السمراء على امتداد شوارعها لتجد اشتراكًا واندماجًا فى حالة من خفة الظل لا يخطؤها القلب أو العقل العربى.
إذا أردت أن تعيد كتابة التاريخ الإنسانى المصرى حتما ستجد السودان حاضرا مستحضرا فى كل فصوله.
 حتى ملفات التنمية المصرية تجد نفسها لا تملك أن تحيد عن أرض السودان ، هناك حيث تشب السنابل الذهبية فى السودان من الممكن جدًا أن تحقق اكتفاءً مصريًا، وفِى القاهرة حيث تشيد محطات الكهرباء حتما ستصل أنوارها إلى السودان لينعكس ضياؤها على أصحاب البشرة السمراء فتعود أشعة الضياء الدافئة إلى القلوب المصرية نور على نور.
فى ملفات التنمية المصرية لا يمكن أن تغيب السودان عن حلم النهضة المصرية التى لن تحقق سعادة مصرية إلا إذا كان نصيب السودان من هذه السعادة محجوزاً سلفًا.
فى مكانة ومكانته جلس الرئيس السودانى عمر البشير بجوار الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل الأسرة المصرية، البشير جلس فى مكانه الطبيعى داخل أسرته وسط أفرادها لا فرق بين سودانى أو مصرى.
 خلال كلمته أكد البشير على المشتركات والوشائج التى تربط البلدين والراسخة بعمق العلاقة بينهما والضاربة فى جذور التاريخ، ثم استكمل حديثه ليعلن أنه والرئيس السيسى بحثا سويا كل ما من شأنه تحصين هذه العلاقة، استخدم كلمة «تحصين» ليعبر عن حجم إدراك مصرى سودانى بخطورة محاولات العبث فى مساحة العلاقة بين البلدين، بعدها أكد أن قوة مصر هى قوة السودان وأن قوة السودان هى قوة مصر، الرجل جاء ليوجه رسائل متعددة لكيانات إقليمية محددة ظنت أن بإمكانها اختراق هذه العلاقة استنادًا إلى أنه كلما كان حجمك الإقليمى صغيرًا ربما منحك فرصة للدخول بين الكبار لكن فى لحظة الحقيقة لا يمكن رؤية هذا الدخيل بالعين المجردة.
إذا كانت هناك فرصة لتكامل إفريقى فإن العلاقات المصرية السودانية هى النموذج الواجب الاحتذاء به فى المنطقة، إذا كان التكامل بين الدول أمرا سياسيا فإن التكامل المصرى -السودانى هو أول حالة لتكامل فطرى تفرضه الجغرافيا والتاريخ وروابط الدم، هو تكامل وجودى تفرضه احتياجات الأمن القومى للبلدين.
بهذه المفاهيم رسخت السودان فى الذهنية العليا للقيادة المصرية التى تدرك قيمة السودان بالنسبة لإفريقيا وبالنسبة لمصر على وجه الخصوص، وهو ما انعكس بوضوح على انضباط الحركة الدبلوماسية المصرية تجاه السودان وعلى نسق تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى الحالتين فإن مشاعر الحب والحنين بين شعبى البلدين كانت اللاعب الرئيسى الذى فرض نفسه لتصبح العلاقة خاضعة لكامل معايير العقل والقلب.
بكامل طاقة عطائها وببالغ أهمية ملفاتها حطت طائرة الرئيس عبدالفتاح السيسى على أرض السودان، الرئيس مستندًا على أرضية دولة بحجم مصر, بدأ زيارته لدولة بقيمة السودان, حيث تتشابك الملفات اقتصاديًا وأمنيا فى منظومة أمن استراتيجى تفرض نفسها على الدولتين.
 خصوصية علاقة الجوار فرضت خصوصية الحوار، المشكلة هنا فى من لايزال غير مدرك لهذا ولايزال يحاول العبث فى المناطق المغلقة التى لا يحمل شفرة الدخول إليها إلا الدبلوماسية المصرية لتلتقى شقيقتها السودانية.
يتم الرئيس السيسى زيارته إلى السودان مصحوبًا بوفد رفيع فى زيارة عنوانها دبلوماسية المحبة.