الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الصربى ستيفان الكسيتش قفزة مجهولة نحو الحداثة

الصربى ستيفان الكسيتش قفزة مجهولة نحو الحداثة






لعل رصد حركة التطوير فى الفن عامة والفن التشكيلى خاصة لا تقتصر على معالجة التاريخ الفنى والسير الذاتية من وجهة نظر الموسوعات والمصنفات التى تعتمد بشكل كبير على مسألة العصبية الجغرافية بحيث تعطى لأوروبا الغربية دورًا يكاد يكون مطلقًا فى عملية التطوير ونشأة المدارس وتصنيفها وهذا ما يجعلنا نتعامل بإجحاف غير مبرر مع دور مناطق أخرى مثل أوروبا الشرقية والبلقان هذه المنطقة التى لم تنل ما تستحق من شهرة وتقدير فى تاريخ الفن التشكيلى.
ومن هذا المنحى نستطيع أن نقر حقيقة تخص تحديدًا نشأة مدارس الحداثة فى الفن التشكيلى والتى تشبعت كتب النقد والتأريخ بذكر مناطق بعينها مثل باريس ولندن كمراكز قادت شعلة هذه الحداثة لكن الناظر بعين التدقيق فى المنتج الفنى لأوروبا الشرقية فيما بين النصف الثانى فى القرن الـ19 والنصف الأول من القرن العشرين سوف يتخلى عن هذه الفكرة بدرجة كبيرة لأن إنتاج أوروبا الشرقية كان أعمق مما قد نتخيل ولعلنا نؤكد أن أسلوب فنانى أوروبا الشرقية المبتكر كان دعامة قوية عززت فكرة الحداثة فى الفن الأوروبى عامة على الرغم من أن القليلين هم الذين يعترفون بذلك.
تظهر لنا هذه الفرضيات بشكل جلى وواضح مع فنان كبير لم يأخذ حقه من الشهرة على الرغم من نجاحه الإقليمى بشكل مبهر وهو الفنان الصربى الكبير ستيفان اليكسيتش والذى على الرغم من الهجوم الدائم عليه من قبل دائرة النقد فى بلجراد إلا أنه يظل عالمًا خاصًا به فى دنيا الفن التشكيلى هذا العالم الذى يشكله الكسيتش تحوطه قفزات الحداثة بحيث سبق العديد ممن تلوه من الفنانين وقد يفسر لنا هذا سوء الفهم الذى قوبل به من النقاد حيث عاش فى أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن العشرين فكانت تلك القفزات الحداثية فى مفهومه للفن التشكيلى تعتبر خروجًا عن المألوف بشكل يدعو للعجب.
وبنظرة سريعة على عالم ستيفان الكسيتش نجد تطويراته تتجلى فى عدة نقاط أولها اختلاف مضامين الكسيتش عن مضامين غيره من الفنانين بحيث أصبحت موضوعاته الدنيوية أكثر تركيزًا على موضوعات بعينها مثل الموت والحياه اليومية الذى صورها بكل واقعية دون أى تجميل فكان فى هذا الصدد يسبق رواد الواقعية فى القرن العشرين من فنانى أوروبا أما فى موضوعاته الدينية فلقد قدم لنا خليطًا فريدًا من فن الأيقونة والفن الكلاسيكى فكانت أعماله تأخذ شكل الأيقونة من ناحية الفكرة وعدم الإسراف فى التفاصيل لكنها من حيث التقنيات التنفيذية تأخذ شكل التصوير الكلاسيكى وخصوصًا مدرسة الكلاسيكية الجديدة ويبدو متأثرًا بجاك لويس دايفيد بشكل كبير حتى فى موضوعاته سواء فى الموضوعات الدينية أو الدنيوية كذلك فى تقنية توزيع الضوء والظل ومصدر الظل فى اللوحة ودرجات الألوان كان فى ذلك يتبع الكلاسيكية الحديثة التى ربما أثرت فى مدرسة ميونخ الفنية حيث درس الكسيتش.
لكن ما يجعلنا نؤكد أن الكسيتتش كان مختلفًا ذا روح حداثية خلاقة ذلك الأسلوب التكرارى التحولى فى أعماله والمقصود به إعادة تنفيذ اللوحة بعد عدة سنوات أو حتى عدة عقود لكن مع إعطاء تفاصيلها تأثير الزمن أى أن أبطال اللوحة لا يتغيرون ولا الموضوع أيضًا لكنهم فى التنفيذ التكرارى تبدو عليهم تأثيرات الزمن وبمعنى أدق يبدو عليهم التقدم فى العمر وأشهر هذه اللوحات التى قدم فيها ألكسيتش هذا الأسلوب هى مجموعته الشهيرة التى يطلق عليها النقاد (أنا والموت) وهى مجموعة خلاقة من حيث الفكرة والتنفيذ يظهر فيها الفنان ستيفان الكسيتش نفسه جالسًا على طاوله يشرب مستمتعًا وخلف كتفه الأيسر يقف الموت متمثلًا فى هيكل عظمى يعزف على الكمان وكأنه يشارك الفنان بهجته وفى خلفية اللوحة أشخاص آخرون ربما لا يرون هذا الموت الرابض بجانب الفنان ولقد كرر الكسيتش هذه اللوحة بعد أن أنجزها فى أواخر القرن الـ19 أعاد إنتاجها مرتين لكن فى كل مرة كانت تبدو على أبطال اللوحة عوامل الزمن وفى المرة الأخيرة كان البكسيتش يبدو عجوزًا بشكل ملحوظ ولقد اقتبس العديد من الفنانين وخصوصًا فى إنجلترا هذا الأسلوب ونعتقد أن الفكرة الأساسية فى أعمال أيقونة الإليستريشن الإنجليزى إدموند سوليفان فى رسومه التوضيحية لترجمة رباعيات الخيام لإدوارد فيدجيرالد .