الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«تراب الميرى»

«تراب الميرى»






بعد 25 يناير 2011، تفككت مفاصل الدولة المصرية، باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، تعطلت الحياة تمامًا، لكن هناك 3 مؤسسات ظلت واقفة على حيلها، هذه المؤسسات شاركت بشكل كبير وفاعل فى عدم انهيار الدولة.
أول هذه المؤسسات كانت القوات المسلحة،وثانيها القضاء، وثالثها البيروقراطية المصرية، أو تراب الميرى، والذى يقول عنه المثل الشعبى «إن فاتك الميرى، اتمرغ فى ترابه «وبالمناسبة المثل ليس له علاقة بالعسكرية والجيوش، فقد بدأ أيام الإسكندر الأكبر وهذه قصة أخرى .!
نعم البيروقراطية المصرية ساهمت فى عدم انهيار الدولة، موظفو مصر،أو المتمرغون فى تراب الميرى، ظلوا كما هم، لم يقترب منهم أحد فظلت الأمور فى نصابها الطبيعى .
حدث ما حدث فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير، ولم يتأخر يوما مرتب موظف واحد، وظل الأمر كذلك لسنوات، رغم المظاهرات وتوقف الإنتاج تماما.
البيروقراطية المصرية ليست وليدة ثورة يوليو، كما يحب أن يشيع  البعض، فقد نشأت مع محمد على، ومفكر وكاتب كبير فى حجم عمنا وتاج راسنا يحيى حقى، كتب عنها فى سنة 1922.
عمنا يحيى حقى قال فى كتاب اسمه «تراب الميرى»: أنا أقرأ فى الصحف أخبار محاولات لإصلاح الأداة الحكومية...استقدمنا خبراء أجانب... واجتمعت لجان «وطنية» قدمت تقارير... ثم ولا شىء»!
بيروقراطية الدولة المصرية الآن  تعدادها نحو 6 ملايين موظف، منهم نحو مليون و962 ألفًا و72 موظفًا بالجهاز الإدارى، و2 مليون و992 ألفًا، 173 موظفًا بالإدارة المحلية، 468 ألفًا و961 موظفًا بأجهزة الخدمة العامة، و335 ألفًا و223 بالهيئات الاقتصادية العامة، إلى جانب ما يزيد على نصف مليون من العاملين بعقود مؤقتة.
كيان ضخم مرعب، وبحسبة بسيطة لو افترضنا أن كل موظف من الـ 6 ملايين مسئول عن 5 أشخاص سيكون المجموع 30 مليون مصرى، متعلقين فى منظومة البيروقراطية، لذلك التعامل مع هذه المنظومة يجب أن يكون بحساب، وتأن شديد، وشفافية كاملة .
تعامل الدولة المصرية مع هذه المنظومة، لم يتغير من عشرات السنين، ظلت لها اليد الطولى، لا أحد يقترب منها وإلا فالعواقب لن تكون حميدة .
ويكفى الإشارة هنا  إلى أن الدراسات تقول إن نسبة العاملين فى الدولة إلى إجمالى عدد السكان واحد إلى ثلاثة عشر، وهى نسبة كبيرة للغاية بالمقارنة مع المعدلات الإقليمية والدولية السائدة، حيث تبلغ هذه النسبة فى المغرب واحدًا إلى 29، وفى فرنسا واحدًا إلى 114، وفى بريطانيا واحدًا إلى 112، وفى ألمانيا واحدًا إلى 109.
تضخم الجهاز الإدارى للدولة وارتفاع تكلفة العمالة مع تدنى إنتاجيتها، وعدم وضوح أهداف العمل فى الإدارة الحكومية، وغياب معايير تقييم الأداء، إلى جانب تعقد الإجراءات دون مقتضى حقيقى، أعتقد أنها المعضلة الحقيقية  للبيروقراطية المصرية.
الآن يعكف جهاز التنظيم والإدارة على الانتهاء من المقترحات الخاصة بالقرار الذى أصدره الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بشأن تشكيل لجنة لدراسة تقليص عدد أيام العمل للعاملين ببعض الجهات الإدارية بالدولة دون المساس بمستحقاتهم وأجورهم.
 الاتجاه يذهب إلى تقليص عدد أيام  وساعات العمل بزيادة عدد الإجازات لـ ٣ أيام واعتماد 4 ايام للعمل فقط، مع زيادة ساعات العمل أو تقسيم العمل لنظام الشيفتات من أجل  ترشيد الإنفاق، وتخفيف الازدحام المرورى.
المقترح ليس جديدا، وإن تأخر كثيرا، فالحكومة خصصت بابًا كاملًا فى قانون الخدمة المدنية الذى أقره عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى 12 مارس 2015 للإجازات اشتمل على 11 مادة تشتمل على القواعد التنظيمية لإجازات العاملين فى الدولة.
ووفقًا للقانون، تنص المادة 43 منه وأولى مواد باب الإجازات على أن تحدد السلطة المختصة أيام العمل فى الأسبوع ومواقيته وتوزيع ساعاته وفقًا لمقتضيات المصلحة العامة.
أذكر الآن بقانون الخدمة المدنية وهذا النص تحديدا  ، قبل أن تنطلق المنصات الإعلامية وعالم السوشيال ميديا، لترويج حكايات عن الاستغناء عن الموظفين، وإعادة إنتاج قصص الـ 2 مليون موظف المهددين بالتوقف عن  التمرغ فى تراب الميرى! .