الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الرقابة وحدها مش كفاية»

«الرقابة وحدها مش كفاية»






ملائكة بأجنحة.. النور يشع من الوجوه، وعلامة الصلاة  على الجبين مثل قرص الشمس، المصحف الشريف على المكتب، والآيات القرآنية التى تحض على الفضيلة، على الجدران، سجاجيد الصلاة، والسبح، فى الأرجاء، كلها تعلن أنك فى حضرة رجل من «بتوع ربنا» .
والحقيقة مؤسفة، الرجل السمح ذو الوجه البشوش، فاسد، مرتشى .
تأمل معى صورة رئيس حى الهرم المتهم بتقاضى رشاوى، مقابل التغاضى عن تحرير مخالفات بناء، تأمل الابتسامة الخفيفة فى كل صورة، «زبيبة الصلاة فى جبينه، وعينيه نصف المغلقة وكأنه هايم فى ملكوت الله !!
دقق فى الصورة جيدا، هذا الرجل لم يتردد فى قبول الرشاوى، والحصول على شقق سكنية مقابل التغاضى عن تحرير مخالفات البناء للشركات، هذا الرجل الورع، يقبل بضمير مرتاح شقق سكنية وأموال حرام لتأمين مستقبل الأولاد !!
تأمل صورة رئيس شركة مياه الجيزة المتهم بالفساد والرشوة أيضا، صورة طبق الأصل من رئيس حى الهرم، ضم إليهما صورة رئيس حى الدقى، رئيس مصلحة الجمارك، نفس السماحة والبشاشة، نفس الوجوه النضرة المؤمنة التقية الصالحة !!
التقوى والصلاح والتدين يؤكدون أن هناك خللا فى فكر هؤلاء المرتشين، وخللا وصل إلى مرحلة مرضية تحتاج لعلاج حقيقى .
تقوى وصلاح دفعت نائبة محافظ الإسكندرية السابقة، أن تطلب  من ضمن الرشاوى نفقات أداء فريضة الحج، ودفعت  وزير الزراعة الأسبق  لطلب تأشيرات حج وعمرة، ضمن الرشاوى التى حصل عليها، أما فى رشوة وزارة التموين، فقد استعجل مرتكبوها الوقت لأنهم كانوا يستعدون لعمل «عمرة رمضان «!!
محترفو  الفساد هم الأكثر حديثا عن  الطهارة والشرف، ولديهم نظريات ودراسات مهمة عن  الفساد وكيفية مواجهته – لاحظ رسالة الدكتوراه الخاصة برئيس رئيس مصلحة الجمارك المرتشى ..كان عنوانها «اقتصاديات التهريب الجمركى وأثره على عجز الموازنة»!!!
الفساد .. مرض أبدى .. أخطر من الإرهاب .. الفاسدون أكثر قدرة على هدم الوطن من الإرهابيين  .
نعم الفساد سلوك إنسانى موجود فى كل الدنيا، وسيظل فالنفس البشرية أمارة بالسوء، لكن مواجهة الفساد واجب مقدس، لا يقل عن مواجهة الإرهاب .
الإرهابى يقتل شخصا، الفاسد يقتل وطنا، يشرد أجيال، يغرس بذرة تنمو وتكبر وتصير قاعدة بدلا من استثناء .
الفساد وباء، لن تبرأ منه مصر فى ليلة وضحاها، لكن هذا لا يعنى أن علينا أن نرتضيه وأن نتعايش معه.
جهاز الرقابة الإدارية بكل مجهوده لن يستطيع وحده الوقوف فى وجه الفاسدين والمفسدين، حتى لو عمل رجال هذا الجهاز بعشرة أضعاف القوة التى يواجهون بها الفسدة .
الفساد فى مصر  تطور بشكل كبير، بات عملا مؤسسيا، شبكات من المعارف والأقارب والمصالح المتشابكة .
الفساد فى مصر يوسع من صلاحياته على مدار الساعة بضم فاسدين جددا، إما لأن العقوبة غير رادعة، أو لأن الفساد أقوى، فهو لا يتوقف عن توسيع نطاقات من يتبعونه ويعملون معه.
لاشك أن هناك جهودًا جبارة لهيئة الرقابة الإدارية تحت رئاسة الوزير محمد عرفان فى مواجهة الفساد والفاسدين، لكن الرقابة وحدها ليست كافية، فالمشكلة الأخطر هى قبول المجتمع للفاسدين والفسدة والمفسدين، المشكلة  فى الأساس مجتمعية، وثقافية، خصوصا مع ارتفاع الأصوات التى تتستر على  الفساد وتبرر وجوده.
المشكلة فى التناول الإعلامى لقضايا الفساد،  البحث عن دوافع  وأسباب لانتشاره.. فضائيات ومواقع وصحف ومنصات للتواصل الاجتماعى تسوق وتبرر الفساد – لاحظ ماتم نشره حول رئيس مصلحة الجمارك وشرفه وأخلاقه، بعد شائعة خروجه من قضية الرشوة براءة، لاحظ أيضًا استضافة مهرب صغير على الفضائيات وإجراء حوارات صحفية معه، والدفاع عنه وتبرير ما فعله لأنه فقير محتاج.
أسواق الفساد باتت رائجة جدا، النجومية، والثراء، ضمان عدم نبذ أولادك وأسرتك، بالعكس الكل سيتعامل معهم برفق ولين أملا فى ذهب المعز المسروق،  احترام المجتمع لنوع السيارة والبدلة والحذاء والساعة، كلها ستدفع بآخرين لدخول السوق بقلب مفتوح ووجه بشوش وذبيبة صلاة وتأشيرة للحج سنويًا ليغفر بها الله ما تقدم من ذنب .