
رشدي أباظة
قداسة البابا و قدسية القانون
أربعة مواقف دخل بها الأنبا تواضروس التاريخ. تاريخ مصر. الدولة الأقدم فى التاريخ. الجلوس على مقعد مرقس الرسول. ممارسة الحكمة فى سنوات صعود الإسلام السياسى سدة السلطة فى مصر. 30 يونيو. جريمة مقتل الأنبا الشهيد ابيفانيوس. إن شئت فقل إن الأخيرة رسمت علاقة بين الدولة والكنيسة المصرية هى الأولى من نوعها ربما. كيف. لنقل ما خفى. حتى يعلم الناس ماذا فعل ذلك الرجل.
قتل رجل دين كبير. الأنبا ابيفانيوس داخل الدير. قتله رجل دين. من جلدته. لم يصدق شعب الكنيسة أن القاتل من الممكن أن يكون رجل دين. عرف البابا النبأ. تحقق بنفسه. قاتل الأنبا رجل دين. رفض بعض الكهنة دخول الدولة طرفا فى القضية. رفضوا التحقيق. رفضوا أن تدخل أجهزة التحقيق. رفضوا النيابة العامة. رفضوا المباحث العامة. رفضوا الطب الشرعى. رفضوا خضوع الجميع للتحريات. رفضوا الدولة. بعضهم يرى فى نفسه دولة. الكهنوت يعلو الدولة. منطق ساعد على خطف الكنيسة ردحا من الزمن. هنا. تنزل الإيمان بالدولة المدنية. برز البابا تواضروس. قدم الكهنوت الأكبر الدليل الأعظم على الإيمان بالدولة المدنية. الإيمان بمصر. رفض الرفض. تحدث البابا الى نفسه. بصوت عال. لم يكن خفيضا. قال وقوله الحق: الدين يربى الضمائر. لكن الضمائر لا تبنى الدول. القانون هو من يبنى الدولة. القانون يدير الدولة. قداسة الكهنوت من قداسة الدولة. من قداسة القانون. هتف ضمير النبوة. نبوة مرقس الرسول. فكان القرار الكبير. سمح البابا لأجهزة الدولة بممارسة التحقيق. سمح بكافة الصلاحيات والسلطات داخل الدير. علت الدولة. القتيل الشهيد فى الأصل هو مبعوث البابا لضبط الأداء الدينى داخل الدير. بعد أن غلب الظن أن يصبح سلطة دينية. منفصلة. قال البابا فى نفسه. هل الدين يمكن أن يمنح لأى شخص مبررا أخلاقيا أو شرعيا للقتل. هتف يقول. هل اختمرت فكرة تكفير القتيل فى وجدان قاتله. الدولة الدينية ليست فقط الأفكار الإسلامية القاتلة. السياسى منها والإنسانى. الدولة الدينية أيضا الأفكار المسيحية التى قادت القاتل للقتل. فعل البابا ما لم يفعله أحد من قبله فى العالم. عالم الكهنوت. الوصول الى القاتل وتقديمه للمحاكمة. الإيمان بالدولة المدنية. قدم مفهوما فريدا فى فهم المواطنة والانتماء. لنكن صرحاء. معظم من مارس التحقيق ضباط مسلمون. عاشوا داخل الدير. توضأوا من مياهه الطاهرة. أدوا صلواتهم داخله. لكن هل فيهم احد تجرأ ومارس عمله البحثى من منطلق طائفى. لا يجرؤ أساسا. حتى لو كان فيهم مغرض. أو غير مهنى. دولة القانون كفيلة بتحجيمه وإلزامه قواعد المهنة. والمعنى بوضوح: اى ان رجل الدير خضع للتحقيق. أمام الضابط المسلم. ليس بصفته. بل باعتباره ممثلا لسلطة إنفاذ القانون. لو أن أحدهم تخيل عكس ذلك لتحولت الحالة من حالة قانونية الى حالة تربص طائفى. هنا تجلت عظمة الكهنوت الأعظم.
البابا تواضروس. نجح القانون. علت قيمته المقدسة. قدم تواضروس أوراق اعتماده النهائية فى المقاعد الأمامية للجلوس. مقاعد التاريخ المصرى والدينى والإنسانى. مثلما جلس الأنبا تواضروس على مقعد مرقس الرسول جلس على قلوب المصريين. مثلما جلس على مقعد ثورة 30 يونيو جلس على مقعد الدولة المصرية. البابا تواضروس يجلس الآن فى مقعد صدق عند مليك مقتدر. الأنبا تواضروس نبى مصرى يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق !