
حازم منير
رشدى أباظة والنخبة الإعلامية
مبعث الاطمئنان فى رؤية الكاتب رشدى أباظة السلبية للإعلام ونخبته، أنها لا ترتبط بمصلحة محددة قدر ما ترتبط بحالة نقدية سادت المجتمع كله ومازالت حتى الآن تمثل رؤية أغلبية الرأى العام، كما أنها تخلو من «الإحن» الشخصية كونه ليس مرتبطًا بالإعلام – إلا إذا تبين غير ذلك – وبالتالى لا يسعى إلى تصفية حسابات شخصية.
من الصعوبة بمكان الاختلاف عن بعض مما تحدث عنه الكاتب، خصوصا وهو يرصد واحدة من أدق لحظات التاريخ المصرى، والدور الذى لعبه الإعلام وبعض الإعلاميين وكان يمثل حالة مذهلة من التقلب والارتداد والتغير والأهم الرغبة فى ركوب الموجة قبل فوات الأوان لتحقيق مصالح شخصية وأرباح لمؤسساتهم بأى وسيلة.
فى مرحلة غابت فيها الدولة بكل أدواتها بعد أحداث يناير لعب الإعلام وبعض الإعلاميين دورا خطيرا فى تعميق الفوضى والترويج لها والتودد إلى «الثوار» بإدماجهم فى المؤسسات الإعلامية لاكتساب ثقتهم واجتذاب جماهيرهم حتى ولو كان ذلك على حساب المهنية والمصلحة الوطنية على حد سواء.. بل أن لقاءات انعقدت مع قادة «الإخوان الإرهابية» فى ظل «حكم المرشد» استهدفت ترتيب البيت فى اتجاه الكارثة شارك فيها رموز لو أعلن عنهم الآن ستصدم الناس، وشاهدنا مداخلات وتحليلات وتعليقات لبعض هذه النخبة تأييدا للجماعة الإرهابية وترويجا لها، لذلك كان مستغربا أن يواصل هؤلاء مسيرتهم بعد ثورة 30 يونيو.
كان السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى محقا حين قال «يا بخت عبد الناصر بإعلامه»، الرجل لم يقصد إعلاما متملقا وإنما داعما، لم يرغب فى إعلام للتطبيل والتهليل وإنما للشرح والترويج، إعلاما لا يسبح بحمد القائمين وإنما يرصد ويدقق وينقد أيضا لكننا للاسف شهدنا فى الفترة الأخيرة حالة معاكسة تماما انتهت فى تقديرى إلى نفس النتيجة غضب الرأى العام وفقدان ثقته فيما يتلقاه من رسائل إعلامية مطلوبة خصوصا مع عدم انتباه بعض النخبة إلى أن ما كان مقبولا من قبل لم يعد كذلك الآن.
وإذا كان تركيز السيد رشدى أباظة على أن أداء النخبة الإعلامية وحده سببا فى إرباك المجتمع فقد جانبه بعض الصواب، صحيح انها ارتكبت خطايا فى حق المجتمع لكن الإعلام منظومة متكاملة من أول الرؤية إلى الهدف والوسائل والأساليب حتى التنفيذ الفنى واللفظى ولا نجاح أو فشل لهذه المنظومة فى غياب أو ضعف أى عنصر من هذه العناصر من أول المالك إلى أصغر العاملين والتى تشكل مجتمعه المُنتج النهائى بمضامينه المتنوعة وهى محددات تتطلب فكرا مختلفا وقواعد مغايرة لما هو سائد.
تقديرى أن مشكلة ثورة يونيو مع الإعلام لم تقف عند حدود تلوين بعض الإعلاميين لأنفسهم بحثا عن المنافع الشخصية لأنهم قادرون على مواصلة التلون، إنما هى فى غياب القواعد المهنية والمفاهيم الاحترافية وغياب أدوات ووسائل فى البحث عن بدائل «النخبة».
الحرية المطلقة فى الإعلام مفسدة كما أن القيود الصارمة قاتلة.
اعتقادى أنه لا تغيير فى الإعلام إذا اقتصر الأمر على استبعاد النخبة أو بعضها.