الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«سيناء» .. العبور إلى التعمير

«سيناء» .. العبور إلى التعمير






أوائل أغسطس عام ٢٠١٢ وبعد شهور من تمكن المتخابر «محمد مرسى» من الوصول إلى حكم مصر مندوبًا لمكتب الإرهاب الدولى حاملا لأسفار لا يفقه فحواها، كانت حادثة رفح الأولى قد وقعت، راح ضحيتها ٢٥ من جنود مصر الأبرار «المرابطين» على ثغور الوطن؛ بينما كان عملاء الإرهاب «مربوطين» على ذمة التكليف الوارد من تجار الدماء والأوطان.
حامل الأسفار كَلُّ على وطنه وتنظيمه أينما توجهه لا يأت إلا بالشر، ساعتها تظاهر بالعجز عن حضور الجنازة العسكرية الطاهرة، لكن ذلك لم يكن حقيقيا، الحقيقة كانت أنه ينفذ التكليف، ليظهر أجهزة الدولة عاجزة عن تأمينه فيبرر اعتماده على ميليشياته، كما يثبت خضوعا للتكليف الصادر وامتنانا لمن نفذ المذبحة لحساب تنظيمه!
الإشارات كانت متبادلة ما بين جماعات الإرهاب فى سيناء لتقول للتنظيم الإخوانى «ها نحن قد وصلنا إلى حيث المكان المتفق عليه وبدأنا التنفيذ ويمكن الاعتماد علينا»، ليرد الإخوان بإشارة أخرى «ونحن عَلى العهد.. عهد الدماء والغدر والخيانة»، لتبدأ عملية تمديد وتشغيل شبكات التواصل الإرهابى من سيناء إلى القاهرة، تلك القاعدة التى استند إليها التنظيم الإخوانى حتى ظن قادته أنهم قادرون على مواجهة الدولة المصرية.. تلك القاعدة التى اتخذها الإرهابى محمد البلتاجى قِبلته عندما جاهر بأن ما يحدث فى سيناء يتوقف فى اللحظة التى يعود فيها «العياط» المتخابر.. ضعف الطالب والمطلوب!


 هناك على أرض سيناء وبفعل الشيطان الإخوانى كانت الحدود قد استبيحت خلال عام كامل مع وضع اليد الإخوانية على الدولة المصرية، الاستباحة شملت ارتكازا لتشكيلات إرهابية وتسريبا لتمويل وتسليح، منذ البداية وقبل أى شواهد لثورة ٣٠ يونيو كان التنظيم الإخوانى قد عقد العزم على تكوين جيشه الموازى ليواجه به الدولة التى تمكن من حكمها، العقيدة التنظيمية كانت تدرك أن الدولة لن تستكين للجسم الغريب وحتما ستلفظه وستقاومه، ليس ذلك فحسب بل كان الهدف هو وضع سيناء تحت الحراسة الإخوانية تمهيدا لتسليمها وفقا للاتفاق السرى الذى جرى فى الكواليس الدولية والذى كان يستوجب إنجاح من لا يُؤْمِن بوطن أو بأرض أو بعرض.
على صخرة ٣٠ يونيو تحطم مشروع الخيانة الإخوانى لتتحول قواعد الإرهاب المرتكزة فى سيناء من حالة الحراسة إلى حالة الإرهاب المعلن، ليس لإعادة المتخابر إنما بسبب التورط فى الخيانة التى قبض ثمنها مقدما ولم يعد من الممكن الرجوع عنها، الأثمان قبضت والفضائح جاهزة والأرواح أزهقت، لكن حديث الخيانة بين طرفيه «من لا يملك» و«من لايستحق» لم يتوقف بعد بحثا عن فرصة أخيرة اعتقدت وهما أنه يمكن إعادة تدوير الخيانة على أرض سيناء لتنتقل من تكتيك «التسليم» إلى تكتيك «الاستسلام»!
خمسة وأربعون عاما مضت على تحرير سيناء بعدما روت الدماء أرضها الطاهرة واختلط عرق الجنود البواسل بمياه القناة فزادها طهرا على طهر، عملية التحرير نجحت واستعاد الوطن الجريح كرامته لكن عملية التعمير التى كان يجب أن تعقبها ربما تعثرت لسنوات طويلة، التأخير فى التعمير جعل سيناء مطمعا للواهمين، تأخر التعمير أدى لغياب أى رؤية لدمج أبناء سيناء دمجا مجتمعيا كاملا فى قلب المجتمع المصرى وساهم فى تزايد الفجوة بينهم وبين قلب الدولة فى القاهرة.
 شبت أجيال كاملة على أرض سيناء لتنمو بداخلها حالة جفاء وشعور بالتهميش المتعمد من الدولة؛ عملية العبور العظيم افتقرت لـ “الخدمة ما بعد التحرير”، وبمرور السنين ظلت الأرض محررة لكن الآثار النفسية للاحتلال البغيض ظلت تخيم على الأرض الخاوية، خواء الأرض ربما طال مساحات فى القلوب التى عانت لسنين طويلة، لكن عبد الفتاح السيسى قرر استكمال العبور نحو التعمير ونحو مستقبل أبناء سيناء.
“عبدالفتاح السيسى” قرر التعامل مع كامل الأرض السيناوية باعتبارها مشروعا للأمن القومى، من عمق إدراك شامل قرر ومن عمق تاريخ على امتداد آلاف السنين اتجه بعقله وفطرته وعشقه لهذا الوطن نحو أرض سيناء التى اعتقدت جماعات الشر أنه يمكن إعادة احتلالها بأفعال الإرهاب البغيض وتحويلها مخزنا لأسلحتهم المحرمة أو ميدانا لجرائمهم، وقاعدة للقاء فلول الإرهاب من شتى البقاع ظنا منهم أنها يمكن أن تتحول لرقم سياسى قابل للتفاوض مع الدولة المصرية على رأس أجندة سياسية تسمح لأطراف دولية بالتسلل لمساحات الأمن القومى المصرى.
من قلب القاهرة إلى قلب سيناء كان القول والفعل المصرى عنوانه «لا تفاوض ولا مفاوضة» على عرض الوطن.. السيسى قرر إعادة انتشار الدولة المصرية على الأرض المقدسة.. على رأس أولويات الرئيس جاءت تنمية سيناء، «التعمير» فى مواجهة «التدمير»، القرار المصرى حسم الأمر بأن سيناء لن تترك أرضا بورا مستباحة، فى كل شبر ستتواجد الدولة المصرية بالرعاية والحماية والعطاء، أهل سيناء ليسوا من المؤلفة قلوبهم بل مألوفة للوطن يعرفونه ويعرفهم جيدا.
 امتد بصر الرئيس نحو الشرق لكنه أدرك قصورا استراتيجيا فى التواصل، على الفور قرر السيسى سرعة حفر الأنفاق شريانا لضخ الدماء من قلب الوطن إلى أحد أهم وأغلى أطرافه، ستة مما تعدون من الأنفاق ممرات لاستمرار العبور واستمرار تدفق الدولة نحو سيناء، عملية الربط تتجاوز ظاهرها المرئى لتقول إن دولة ٣٠ يونيو تعيد صياغة عقد اجتماعى جديد مع أهالى سيناء، عملية الربط والتواصل أحد بنود العقد الذى يوثق سيناء أرضا مصرية غالية ليست محلا لمساومات أو حسابات أو تصفيات، سماسرة الأوطان ليس لهم ذكر فى هذا العقد.
“السيسى” بكامل تمثيل مؤسسات الدولة استعاد مشهد غرفة عمليات القوات المسلحة عام ١٩٧٣، ثم عاد سريعا إلى حاضره ليشكل على الفور غرفة عمليات الدولة المصرية التى قررت استكمال العبور بكامل أدوات البناء والتعمير، السيسى أدرك أن العطاء هو خير وسيلة للتواصل، أدرك أن خللا ما قد حدث فى تنفيذ بنود العقد المبرم بين الدولة وأهالى سيناء جعلتهم يدخلون فى مساحة من النسيان وتركتهم فريسة لأقلام وآراء وتنظيرات غير مسئولة ربما لم تزر سيناء من قبل، وحكمت عليهم بدرجات منخفضة من الوطنية، بيد العطاء مسح السيسى هذه الأوهام من العقل المؤسسى للدولة، السيسى مؤمن بأن الولاء لمن يلبى الحاجة، قانون إنسانى واضح، لكن البشر لا يمكن أن ينتموا لشىء غير موجود، وعلى ذلك قرر السيسى استعادة وجود مؤسسات الدولة المصرية على الأرض السيناوية بخريطة تنمية تصل إلى ٢٧٥ مليار جنيه بحلول عام ٢٠٢٢.
 على أرض سيناء أعاد الجيش المصرى انتشاره وتمركزه، ليس مواجها لجماعات القتل فقط بل حارس أمين لإعادة الحياة المدنية لطبيعتها، الأداء والرعاية المدنية بأيد عسكرية دليل دامغ على أن فعل التعمير امتداد للعبور والتحرير، الواقع يقول إن مصر قررت أن تتحمل كامل مسئولياتها فى سيناء، الحقيقة تؤكد أن مصر وحدها هى التى تقرر مصير ترابها، الحق يقول إن عقيدة القوات المسلحة المصرية التى تكونت فيها عقيدة الرئيس لا يمكن أن تسمح بأن تكون سيناء بندا فى أى صفقات، الصفقة الوحيدة أبرمت فى قديم الأزل على ورقة من البردى المصرى، بعدها رفعت الأقلام وجفت الصحف.
انظر إلى سلوك الدولة المصرية بعدما قررت أن تستجمع كامل مكوناتها على أرض سيناء، هدف التنمية لا يعبر عن دوافع مادية ولوجستية فحسب، بل قرار قومي لإعادة الاستثمار فى الولاء والانتماء، وإعادة ترسيخ مفهوم الوطنية الذى ربما قد اعترته بعض آثار التجريف جراء سياسة الإهمال الممتد لسنوات متعاقبة خلفت حالة من الفجوة التى ظن البعض أنها يمكن أن تكون ثغرة فى الضمير السيناوى، لكن توحد القبائل واستبسالهم مع جيشهم أثبت أن ساتر هذا الضمير أشد صلابة من خط بارليف وساتره الترابى الذى تحطم تحت أقدام الجندى المصرى بينما ظل ضمير سيناء صامدا فى مواجهة الزمن.
 المراهنون على آلام الأهالى فى سيناء لا يمكنهم أن يدركوا أن من رحم هذا الألم ولدت عقيدة الإيمان بهذا الوطن.. سيناء هى أيقونة مجىء الإخوان للحكم، وهى أيقونة سقوطهم بعدما ظن من أنجحهم أنه يمكن لمن لا يؤمنون بالوطن أن يفرطوا فى جزء من الوطن وفقا لأوهامهم التنظيمية والأممية، تذكر عندما أصدر وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسى قراره بحظر التصرف فى الأراضى المتاخمة للحدود الشرقية بالتملك أو الإيجار أو حق الانتفاع لغير المصريين، كان ذلك وقت أن كان التنظيم العصابى واضعا يده على مقاليد البلاد بشرعية الإرهاب بشرعية اللا شرعية.
من لم “يفرط” ساعتها فى الأرض لا يمكن أن يسمح “بالتفريط” وهو المسئول الآن  أمام الدستور والشعب والتاريخ، الإخوان المفرطون وحدهم من لا يعرفون قيمة لأرض أو عرض أو شرف، من يعمر ويبنى الآن ويرسخ السيادة المصرية على أرض مصرية لا يمكن أن يفرط وشرف العسكرية يحول دون ذلك.