ثورة الشك (١-٢)

ثلاثة مواقف أخيرة تثبت أن شيئا ما حدث فى المجتمع المصرى يستوجب البحث والدراسة. المواقف الثلاث كتبت مانشيتا عريضا عبر عن حالة تستحق التنقيب والتحرى. التشكيك العام فى كل شىء. هذا هو العنوان. الموقف الأول حادث القبض على رئيس مصلحة الجمارك قبل شهرين تقريبًا. الثانى قضية شاب ميت سلسيل قاتل طفليه. وأخيرا القبض على الشاب المتلبس بمحاولة التفجير فى ميدان سيمون بوليفار وسط القاهرة. الحوادث الثلاث مكتملة أركان الشفافية. أدلة موثقة. اعتراف. تلبس. هناك مواقف أخرى ولاريب تجسدت فيها حالة التشكيك على اتساعها.

اخترت هنا الثلاثة حوادث لتفحل الظاهرة. الدولة تعاملت فى الثلاثة حوادث المذكورة بشفافية لم تكن موجودة من ذى قبل. بيد أن رذيلة الكذب والتلفيق كانت حاضرة. الهدف هو حالة بلبلة ينتهى بها إلى شيوع الكذب. المعنى بالمقال هنا ذلك المواطن الكاذب. بطل التشكيك. أحيانا يكون الواقع مبنيا على حقائق. لا يريد أن ينكرها إلا كل صاحب رغبة فى الهروب من المسئولية. المسئولية الملقاة على عاتقه.  والتى لا يرغب فى بذل جهد للقيام بها. جزء من التشكيك هو قرار بالانسحاب نحو المجهول. بعد العجز عن مواجهة الواقع. يحيط الناجحين بالشكوك والتشكيك. لعله يُطفئ بعض نيران الفشل داخل من يروج تلك الشائعات.

المدهش أنك تجد منظومة مزدوجة يتبادلها من يروج للشكوك والشائعات مع من يصدقها. ثم يحولها  إلى سلعة قابلة للتداول. كلاهما اتفق على خلق واقع افتراضى يبرر له عجزه وكسله. عدم رغبته فى التميز. البعض يصل أحيانا إلى درجة منظر فى الشك والتشكيك. تصل به إلى الاستمتاع بخداع النفس. لنغوص أكثر فى ثنايا نفس صاحبنا. بطل التشكيك. يرتكب هذا الشخص جريمة اجتماعية فى مَحيط  أسرته. أسرته التى تصاب بخلل فى معايير التقييم بسبب رب الأسرة المخادع. ذلك الرب  الذى اتخذته الأسرة قدوة. ولم يعودوا يستطيعون تصديق أنه مخادع محترف. هل لنا أن نتخيل أن ينشأ جيل كامل تحت سيطرة الخداع الفطرى الذى استقاه من هذا الرب. رب الأسرة. إنها حالة مرضية تدعو إلى الشفقة. ثم نسأل سؤالا: ماذا لو اكتشف الابن أو الابنة أن الأب أو الأم أو كليهما يكذب طوال الوقت.

الكارثة الإنسانية عندما يكتشف أحد الأبناء أن قدوته هو شخص مخادع. لا يملك إلا أدوات ومهارات الخداع. لكن هذا الابن وبرغم ذلك يقرر أن ينتهج نهج حياة والده أو والدته أو قدوته. بعد ما رأى ما حققوه من مكاسب مادية ومعنوية منحها لهم المجتمع. المجتمع الذى استأنس حالة الشك والتشكيك والخداع. يجب رفع الغطاء عن مزيفى الوعى وسارقى الحقيقة مضللى الأجيال. حملات التشكيك الفردية خطورتها أنها تتحول إلى حملات سياسية يمكنها حصار دولة بالكامل.
الأحد نكمل