
احمد زغلول
إلى أين يتجه الجنيه؟
تشكلت فى الفترة الأخيرة دوامة كبيرة مصدرها الحرب التجارية التى قرعت طبولها الولايات المتحدة، لتبتلع هذه الدوامة الكثير من عملات الاقتصادات الناشئة التى أصبحت تدور فى مسارات اجبارية من الخسائر والانهيار .. لكن وفى ظل ذلك يبدو أن الجنيه المصرى الذى تم «تعويمه» منذ ما يقرب من العامين، قد أصبح أكثر قدرة على مواجهة الدوامة العاتية..
لا شك، بالطبع، فى أن تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 قد كان له تأثيراته على الجنيه، حيث تراجع أمام الدولار الذى تحرك من مستوى 8.88 جنيه إلى ما يقرب من مستوى 18 جنيهًا .. لكن خطوة تحرير سعر الصرف استطاعت أن تحمى الجنيه فى الوقت الراهن، من تأثيرات صعبة كان من الممكن أن تلقى به بعيدًا عن مستوياته الحالية، فنرى الدولار مثلًا عند مستويات تتجاوز 20 جنيهًا، ومن يدرى إلى أين كان سيصل الأمر؟
تعالوا نلقى نظرة على عملات عدد من الدول، ومدى تأثرها بالحرب التجارية العالمية التى أدار رحاها « دونالد ترامب»، لندرك مدى عنف هذه التأثيرات وكيف كان سيصبح حالنا إن كنا فى وضع هزيل.. الروبية الهندية، عُملة سابع اقتصاد عالمى، خسرت11.8%، البيزو الأرجنتينية، عملة ثالث اقتصاد بأمريكا الجنوبية، خسرت 51.5%، الراند الجنوب إفريقى فقد 19%.
كذلك الروبية الإندونيسية فقدت نحو 8%، الريال البرازيلى خسر 21.5%، الليرة التركية خسرت 43%، والريال الإيرانى فقد 75% من قيمته.
وما يشهده الاقتصاد العالمى من ارتباك وتصاعد فى قلق المستثمرين، يخلق، بلا ريب، ضغوطًا على الاقتصاد المصرى، فنحن لسنا بعيدين عن التأثيرات .. لكن ما تحقق فى الفترة الأخيرة وما تم اتخاذه من إجراءات فى إطار برنامج الاصلاح الاقتصادى، يجعلنا أكثر صلابة فى وجه التحديات المختلفة التى لا أحد يعلم إلى أين ستأخذ الاقتصاد العالمى لو أن الولايات المتحدة استمرت فى سياساتها التجارية الحمائية.
وقد كان التأثير السلبى الأبرز محليا جراء ارتباك الاقتصاد العالمى، تخارج استثمارات أجنبية فى أذون الخزانة المصرية بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار فى الأشهر القليلة الماضية، وكان من الممكن أن يحدث ذلك تأثيرات على قيمة الاحتياطى النقدى للبلاد، وسعر الصرف أيضًا، لكن هناك إجراءات حالت دون حدوث ذلك كان أبرزها قيام البنك المركزى باستبعاد الجزء الأكبر من استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة من الاحتياطى النقدى وتجنيبها فى حساب خاص، ما جعل خروج هذه الأموال من البلاد بردًا وسلامًا على سعر الجنيه وقيمة الاحتياطى.
وما يجلعنا أكثر صلابة الآن هو تحسن تدفقات النقد الأجنبى من السياحة بعد انكماش حاد، والاستثمار الأجنبى المباشر الذى ارتفع بشكل كبير لاسيما فى القطاع النفطى، وارتفاع تحويلات المصريين فى الخارج إلى أعلى مستوى متجاوزة 26 مليار دولار لأول مرة، إلى جانب تراجع العجز التجارى وإن كان بشكل نسبى.. لكن رغم ذلك تظل التحديات قائمة وتفرض علينا الاستمرار فى الاصلاح.