الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أجنات بدناريك فنان أوروبا الشرقية الأشهر

أجنات بدناريك فنان أوروبا الشرقية الأشهر






لا تتوقف النبالة فى الفن إلا حينما يتوقف الشعور بحب الإنسانية ولا تتوقف اليد التى ترسم عن زرع الرمز إلا حينما تتوقف القلوب عن تذوق الرموز.. الفن هو ذلك الشعور العميق بحاجتنا لتجسيد المشاعر والرمز فى إطار من التوازن .
الحقيقة لقد أعيتنا النظريات والأقاويل كلما حاولنا الولوج لعوالم العديد من الفنانين خاصة الذين خرجوا منهم عن إطار الشهرة العالمية على الرغم من شهرتهم الشعبية والزمنية وقبل أن نخص بالحديث فنان بعينه علينا أن نقر فى البداية أن فنانى ذلك الجناح الشرقى من أوروبا ربما تم تجاهلهم أحيانا عن غير قصد وأحيانا أخرى عن قصد، فالناظر بعمق لمعاجم تاريخ الفن يجد بسهوله تلك التكثيف لكل ما هو غربى فى الفن الأوروبى وتهميش لكل ما هو شرقى فى الفن الأوربى لدرجة أنه من الصعب أحيانا أن تجد فنانا واحدا من أوروبا الشرقية فى معظم المصنفات التى تتناول الفن التشكيل الغربى كوحدة تاريخية.
على أية حال فالفن يسافر عبر الحدود ويصبح كالكائن الحى الذى يفرض وجوده على الرغم من تجاهله.
فى أحد أقاليم أوروبا الشرقية التى تشع بالفن والإحساس نشأ فنان عظيم ينتسب إلى رومانيا تلك الإقليم القديم والثرى والذى تنقل بين أحضان تكتلات جغرافية كثيرة وبالتحديد فى أورسوفا ولد عملاق من عمالقة الفن فى أوروبا الشرقية وهو الفنان الكبير أجنات بدناريك والذى يقول عنه أحد معاصريه «لقد تخطى أجنات حدود المدرسة الرمزية حتى انه أصبح أكثر بساطة من الرمزيين أنفسهم ولقد تعدى أيضا شغفه لكونه باحثا فى الحكاية الشعبية المحلية فأصبحت أعماله رموزا بديهية للأصالة».
وفى نظرة سريعة على أعمال أجنات نجد أنها مرت بأكثر من مرحلة وكل مرحلة من مراحل تطور أعماله تأثرت بمؤثر مهم فى البداية نستطيع أن نطلق على المرحلة الأولى من أعماله مرحلة ألاكتشاف وهذه المرحلة مرتبطة بمؤثرين أولهما فترة الدراسة والثانية انفتاح أجنات بدناريك على عوالم الفن الحديث أثناء تنقله بين عدة عواصم أوروبية حيث تأثر بالموجات الأولى للفن الحديث وكانت نتاج هذه المرحلة هى تلك النواة التى شكلت أسلوب أجنات فيما بعد.
المرحلة الثانية ونستطيع أن نطلق عليها مرحلة التألق والتميز والتى تأثر فيها أجنات بالمدرسة الرمزية التى استمدت آلياتها من الأسطورة والقصة الشعبية وهى أيضا التى دفعت أجنات لإعادة اكتشاف الحدوتة الشعبية الرومانية فى فنه وأصبح أكثر ميلا لإنتاج الرسوم التوضيحية كما فعل فى كتاب بيتر أسبراسكو «الحكايات الرومانية» وارتكزت معظم أعماله على الأسطورة وفلسفة الرمز وتعتبر لوحته «فى الطريق إلى نهر ستيكس» أكمل الأمثلة على ذلك.
المرحلة الثالثة ونستطيع أن نسميها «مرحلة اليأس» وهذه التسمية من وجهة نظرنا طبعا ترجع لتلك الصدمة التى خلفتها الحربين العالميتين فى ذهن أجنات بدناريك فرسمت داخل عوالمه الفنية أفقا سوداوية وحزينة حتى أن أجنات قرر إعدام مجموعة من أعمالة التى تصف عالم البهجة اليومية بيديه وشكل الأبيض والأسود الألوان المفضلة لإنتاجه فى هذه المرحلة كما انه أصبح يميل بشكل مطرد للموضوعات التاريخية وخاصة المأساوية منها.
يعتبر أجنات بدناريك والذى يظهر من أعماله فنان يعشق استخدام الألوان المائية وهى الخامة التى شكلت 90% من أعماله وهى أيضا الخامة التى تناسبت مع توجهه المتزايد نحو الرسوم التوضيحية وتتميز تلك الأعمال بمسحة واقعية من حيث المضمون وتقنية فيها ميل قد يكون غير مقصود لبعض التأثيرية.
ولد أجنات بدناريك عام 1882فى أورسوفا التى كانت تابعة فى هذا الوقت للإمبراطورية النمساوية المجرية وأظهر تفوقا كبيرا فى الرسم فى المرحلة الثانوية مما شجعه لاستكمال دراسته فى معهد الفنون الجميلة فى بوخاريست على يد فنانين كبار مثل ايون جورجيسكو والذى جعله يحب الرسم بالألوان المائية ثم أكمل دراسته الفنية فى أكاديمية فينا للفن وفى عام 1910 أشترك هو وزوجته ماريا الكسندرا باراباس فى صالون الخريف بباريس وحيث عاد فى نفس العام إلى بوخاريست وفى عام 1913 اشترك فى معرض جماعى كان هو النجم بين مجموعة فنانين محليين وفى عام 1915 أقام معرضا خاصا به.
بعد أن اندلعت الحرب العالمية الأولى أتجه بدناريك لمرحلة جديدة كما قلنا مسبقا وعرض أعماله فى عواصم عديدة فسافر إلى نيويورك عام 1929 .
انتشرت أعمال بدناريك فى أوروبا وأمريكا أيضا حتى أن أعماله وصلت للشرق الأوسط عن طرق المقتنين فى مجموعات خاص، وتعتبر أهمية أجنات فى أنه يمثل بكل قوة التيار السائد للفن التشكيلى فى أوربا الشرقية فى بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه تقريبا. وقبل عامين من وفاته فقد أجنات بدناريك بصره تماما وتوفى عام 1963 وأصبح أجنات أحد رموز الفن التشكيلى فى رومانيا وفى أوروبا الشرقية كلها.