
رشدي أباظة
«الكارو» فى القاهرة!
عدت أمس من لبنان. كنت فى زيارة أسرية. أحد الأصدقاء كان يتحدث عن جسر أكتوبر. يسمون الكبارى جسورًا. قال مازحا إن طوله يوازى نصف بيروت. سبعة عشر كيلو متراً. أطول كوبرى فى الشرق الأوسط. وكلاما كثيرا عن عظمة القاهرة. شعرت بالفخر.
عدت من مطار القاهرة. فى العادة أحط من مطار برج العرب. تعمدت أن يكون طريقى على كوبرى أكتوبر. الزحام أحد أسباب عدم حب الإسكندرانية القاهرة. تعجبت أن يكون الزحام على أشده رغم أن اليوم إجازة رسمية بمناسبة رأسى السنة الهجرية والقبطية. بطء السير كان سيد الموقف. سمعت إجابات عديدة من حولى عن السبب. قالوا لعله حادث. أو لجنة شرطية مرورية. أعمال صيانة. ظل الجميع يترقب السبب. كانت المفاجأة. عربة كارو تسير على الكوبرى العظيم. حماران وثالثهما سائق. لقد كانت العربة تسير عكس الاتجاه. تسير فوق النيل فى آناة. هل تتخيلون. عربات الكارو تنتشر فى القاهرة الكبرى دون حسيب. رغم أن القاهرة مدينة فى تصنيفها القانونى. تعريف المدينة فى القانون يعنى عدم سير الكارو. بيد أن شيئا من ذلك لا يحدث. فى المساء ذهبت المهندسين والدقى ومصر الجديدة وكورنيش النيل. الإسكندرانية يستغلون يوم القاهرة فى قضاء عدة مشاوير. مشهد الكارو وصعوبة قبوله والاعتياد عليه ظل عالقا فى ذهني. ذهبت أبحث عنه. وجدته فى كل مكان ارتدته. كان أمرا صعبا على النفس هذا المشهد القاسي. زرت بلادا كثيرة. عربية وأوروبية وآسيوية وأفريقية. غنية ومتوسطة وفقيرة وخارج التصنيف. شيئان اهتم بهما فى سفرى. النظام والمبانى. وثقافة الشعب من عادات وتقاليد. فى القاهرة يغيب كل ذلك. سير عربة كارو فى شوارع القاهرة أمر لم يسبق لى أن رأيته فى أى مدينة بالعالم. فضلا عن جريمة التوك توك التى صارت ملمحا من ملامح الدولة. يعتصرنى حزن عميق كلما رأيت الفوضى تعم الشارع المصري. يبدو وكأن الحكومة غير موجودة. صوت الدولة بدا غائبا رغم مايبذل من جهد جهيد.
فى المساء وجدت إشارت المرور لا تعمل.والكل يسير بطريقته الخاصة. الأعراف تدير المسألة. عربات الكارو تسير فى شارع جامعة الدول العربية السياحى. عربات الكارو تسير على كورنيش النيل أمام ماسبيرو ووزارة الخارجية وفنادق العاصمة الكبري. عربات الكارو فى شارع الهرم. عربات الكارو تسير فى حى الكوربة التاريخى بمصر الجديدة. أين رؤساء الأحياء والمحافظين. أين وزارة التنمية المحلية. أين ذوات الصلة.
سألت ضابط مرور عن عربات الكارو. قال لا يوجد قانون بالمنع. لا أستطيع محاسبته. قال إن سيرها أحد أسباب تعطيل المرور. يصيب الطرق بالشلل والضمور. من يحمى القاهرة العظيمة من هذا القبح العظيم. لصديقى اللبنانى مقولة فى معرض ذكر مآثر مصر الجميلة عيونه: تخبى القاهرة عيوبها فى المساء. لا يجب أن ترى القاهرة نهارا. أحسنت دولة ٣٠ يونيو عندما قررت إنشاء عاصمة جديدة لمصر. القرار ينقل مصر من الفوضى إلى النظام. إلى العالم المتحضر. إلى عالم جديد. لكن هل معنى ذلك أن تظل القاهرة التاريخية على هذا النحو من السوء.
شاهدت مقطعا للقاء تليفزيونى قديم على قناة ماسبيرو زمان مع الفنان العالمى عادل أدهم. سألته المذيع: لمن تهدى شهادة تقدير. قال لمواطن كندى رأيته فى مونتريال ألقى بنفسه فى النهر لينقذ المياه من عقب سيجارة. السيجارة رمى بها مصور مصرى كان فى صحبة «أدهم» أثناء تصوير أحد الأفلام المصرية بكندا. قال أدهم إن المواطن الكندى عنف المصرى لأنه عبث بمياه بلاده. التوك توك. الكارو. تعطل إشارات المرور. السير عكس الاتجاه. اختناق الشوارع مروريًا. وقوف السيارات صفوفا متكررة بالمخالفة. سير المواطنين بدون إشارات. كل ذلك وكثير غيره صار للأسف علامة بارزة من علامات أقدم مدن الأرض!