الخميس 8 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أوفربيك والبحث فى القيم الجمالية المقدسة

أوفربيك والبحث فى القيم الجمالية المقدسة






هناك مقولة شهيرة من القرن الـ16 تقول: (إذا أردت رساما لحائط المذبح فعليك بالألماني)، حقيقة العديد من علماء الفلكلور والأدب الشعبى حيرتهم هذه المقولة وخصوصا أنها إيطالية الأصل، فمن يستطيع أن يضارع الفنان الإيطالى فى رسم هذه المواقع الحساسة مثل مذبح الكنيسة؟ الحقيقة أن المقولة منصفة فى حق الألمان لأن الفنان الألمانى إذا تعامل مع موضوع دينى تعامل معه بالكثير من التبجيل والاحترام والقدسية لكن الفنان الإيطالى كثيرا ما تكون المثل التى يحتذيها مثلا أرضية وبشرية فيها الكثير من التقليل من شأن الموضوع الدينى وهذا بالتحديد ما حدا بالكنيسة أن تحاكم فنان ايطاليا الكبير فيرونيزى على أنه وضع كلبا محاذيا لصورة المسيح فى لوحته العبقرية والعملاقة (عرس فى قانا) لكن الفنان الألمانى يضع نصب عينيه مثالا أكثر مثالية وقدسية من الأمثلة الأرضية والدنيوية .
هكذا وببساطة حاول الفنانون الألمان أحيانا كثيرة التمرد على النموذج الأوروبى الفرنسى والإيطالى وتحولوا أحيانا تحولا مفاجئا جعلهم أقرب إلى العصور الوسطى وعاد بهم إلى ما قبل عصر النهضة بقليل فتحروا فنانين كنا نعتبرهم بدايات لعصر النهضة مثل بونتريكيو وفرانشيسكو فرانكا وغيرهم من فنانى ما قبل رافايلو ونحن نعتقد أن هذه الردة التى ألمت بالفن الألمانى فى بداية القرن الـ19 كانت أنصفت مدرسة من مدارس الفن الإيطالى وهى مدرسة فيرارا والتى والحق يقال لم تأخذ حقها من النقاد ومؤرخى الفن ولعلنا سوف نوضح توجهات تلك المدرسة الألمانية والمعروفة بـ»نازاريني» والتى تعنى المنتسبين إلى الناصرة مسقط رأس السيد المسيح وذلك من خلال تناولنا لأحد أساطينها وهو الفنان الكبير يوهان فريدريش أوفربيك والذى والحق يقال كان خطا يحتذى فى تاريخ الفن الألمانى وهذا ما جعله على رأس مدرسة (النازاريني) الشهيرة لكن فى البداية علينا أن نوضح أسباب ظهور هذه المدرسة التى والحق يقال كانت نزعاتها الدينية أكثر المؤثرات التى أثرت عليها .
إن أهم الأسباب التى أدت لنشأة هذه المدرسة - التى اتخذت من روما مقرا لها – هى رد فعل لظهور المدرسة  (الكلاسيكية الجديدة) فى فرنسا وتأثر معظم الفنانين الأوربيين بها ومن بينهم الفنانون الألمان وخصوصا الأكاديميين منهم وهذا يجعلنا نؤكد أن فريدريش أوفربيك حينما ذهب ليدرس الفن فى أكاديمية فيينا ووقع تحت تأثير فريدريش فوجر معلمه فى الأكاديمية والذى كان بدوره تلميذا لجاك لويس دايفيد - قطب الكلاسيكية الجديدة الأوحد – هذا التأثير جعل من أوفربيك يكتشف فجأة أن تأثير الفنان الأوروبى منذ عصر النهضة وحتى الكلاسيكية الجديدة تأثيرا ضارا تسبب فى ضياع المثل العليا للفن وخصوصا فن المشهد الدينى بل رأى أوفريك أن الفن الأوروبى تحول بتأثير التطور نحو الجسد والمثل الدنيوية وابتعد عن المثل المقدسة.
ولم يكن تمرد أوفربيك بل كل أعضاء مدرسة النازارينى على المؤثر الأوروبى فقط بل على نظم الدراسة الأكاديمية للفن والتى ابتعدت به عن الصفاء والارتجال والبساطة.
ولد أوفربيك فى لوبيك عام 1789 فى أسرة بروتستانتية  من الطبقة المتعلمة الغنية، كان والده طبيبا وسيميائيا وعمه دكتور فى اللاهوت وجده قسيس ايضا من هنا كان دارسا للكلاسيكيات ثم رحل إلى الأكاديمية فى فيينا لدراسة الفن وتعلم على يد فريدريش فوجر الذى تمرد عليه فيما بعد.
رحل أوفربيك إلى روما فى 1810 وهناك أكمل تحفته الشهيرة (المسيح يدخل أورشليم) وهناك انضم لزملائه الفنانين بيتر كورنليوس وفريدريش وليم وفيليب فيت وأصبحوا أعضاء فى إحدى الجمعيات الدينية الروحانية (رابطة القديس لوكا) ثم أسسوا مدرستهم الشهيرة والمعروفة باسم (نازارينى) أى المنتسبين إلى الناصرة وهذا الاسم استلهاما من مذهبهم الذى رد فن التصوير إلى كل ما هو دينى ومقدس وهذا ما جعل كل موضوعات أوفربيك موضوعات دينية صرفة على أننا نرى أن أوفربيك أيضا استعرض عضلاته الفنية ولم تكن لوحاته هى أنجيل دينى مصور كما قد يعتقد البعض لكنه استحضر الوقار فى كل موضوعاته.
وفى قرار كان متوقعا تحول فردريش أوفربيك عن المذهب البروتستانتى وتلقى العماد على مذهب الكنيسة الرومانية الكاثوليكية .
وعلى مدار 56 عاما هى كل حياته بعد ذلك كان لأوفربيك وجماعته تأثيرا صارخا على الفن الإيطالى حيث قام بأعمال أكثر شهرة من فنانين إيطاليين ومنها أفرسكو شهير فى قصر جاكوب بارثولدى والمعروف بـ»كازا بارثولدى» والذى نقله الألمان إلى برلين فيما بعد.
كذلك استعان الكثير من الشخصيات الشهيرة مثل الدوق الإيطالى برنس ماسيمو والذى كلفه هو وكورنيليوس بتزيين حوائط قصره (الجاردن بافاليون) بموضوعات مستمدة من أعمال شعراء إيطاليا المشهورين تاسو ودانتى وبتراركا.
استمر تأثير مدرسة نازارينى على الفن الألمانى بشكل كبير وحتى أوائل القرن العشرين على الرغم من أنها كانت فى إيطاليا لكنها باشرت تأثيرها من خلال فكرة الورع على الفن الألمانى .
توفى فردريش أوفربيك فى 1869 فى روما ودفن فى كنيسة (سان برناردو اللا تيرمي) وعلى الرغم من عشقه وحياته فى روما إلا انه لم ينس وطنه الحبيب ألمانيا ورسم من وحى حبه المزدوج لألمانيا وإيطاليا لوحته الشهيرة (ألمانيا وإيطاليا) فى صورة فتاتان تجلسان فى ود وحب جنبا إلى جنب .