الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«دبلوماسية التغريدات» الميلاد الثانى للعلاقات بين القاهرة وواشنطن

«دبلوماسية التغريدات» الميلاد الثانى للعلاقات بين القاهرة وواشنطن






قبل 45 عامًا.. وضعت حرب أكتوبر أوزارها.. الأوضاع على الأرض عسكريًا انعكست لتفاصيل وتطورات سياسية.. الحرارة تسرى فى قنوات التواصل بين القاهرة وواشنطن.. مفاوضات فض الاشتباك مع إسرائيل نقطة البدء.. العجلة تدور بأسرع من التوقعات.. قمة تجلياتها كان توقيع اتفاق السلام فى كامب ديفيد.. مارس 1979.. تاريخ الميلاد الأول للعلاقات المصرية الأمريكية.
 السادات ذهب لما هو أبعد.. ألقى بأوراق اللعبة السياسية بل والشرق الأوسط كله فى أيدى الأمريكان.. القوى العظمى بلا شك.. مصر تخرج من فلك الاتحاد السوفيتى.. واشنطن اللاعب الأوحد والوحيد فى المنطقة. سنوات الميلاد الأولى شهدت تململًا داخليًا من التقارب مع الولايات المتحدة.. رحل السادات سريعًا.. ظل مبارك من بعده يراوح ذهابًا ومجيئًا فى علاقته محافظًا على شعرة معاوية.. انقطعت الشعرة فى عهد بوش الابن.. ثم عداءً واضحًا فى عهد باراك أوباما.. واشنطن لم تكن ترضى سوى فرض وصايتها كاملة على الدولة الأهم فى الشرق الأوسط.
جرت تحت الجسور مياه كثيرة.. أحداث يناير بكل سلبياتها والأدوار الأمريكية المعروفة فيها.. مندوب مكتب الإرشاد الإخوانى يحكم مصر.. ثورة شعبية جارفة فى 30 يونيو تطيح بالحكم الإخوانى.. تسترد السيادة والإرادة الوطنية.
 توتر لافت فى العلاقات مع الولايات المتحدة.. السيسى يصل إلى الحكم مدعومًا بقاعدة شعبية تاريخية.. ظرف سياسى واقتصادى واجتماعى مأزوم فى البلاد.. مهمة السيسى الأولى تثبيت أركان الدولة.. إنقاذها من السقوط.. بالتوازى تحرك وفق برنامج معد مسبقًا نحو التواصل مع العالم الخارجى.. يرسم سياسة مصر الخارجية كما يلى:
- إقامة علاقات متوازنة مع الجميع.
- اعتماد المصالح المتبادلة وسيلة للتواصل.
- استقلالية القرار والحركة الدبلوماسية.
- الالتزام بالمفاهيم والأعراف الدبلوماسية المتعلقة باحترام السيادة.
- الالتزام بالندية.. وإعلاء المصالح الوطنية.
- توسيع دوائر المناورة الإقليمية.
- القدرة على الحركة المتزامنة فى اتجاهات مختلفة.
- الثبات الانفعالى الدبلوماسى.
- إعادة ثقل الدور المصرى الخارجى.
- الشراكة وليس التبعية.
- الالتزام الأيديولوجى برفض الإسلام السياسى.
 السيسى يدرك قيمة الدولة المصرية.. يشعر بجسامة المسئولية التاريخية.. من الثوابت والمنطلقات السابقة.. تحرك نحو العالم الخارجى.. فى ذهنه تحقيق الأهداف الاستراتيجية التالية:
- تأسيس الجمهورية الثانية المستمدة شرعيتها من ثورة 30 يونيو.
- إمكانية الممارسة الأخلاقية فى السياسة.
- الاستخدام المشروع لأبعاد الأمن القومى المصرى كوسيلة للبناء الداخلى.
- إعادة مصر لواقعها الإفريقى.
- إعادة صياغة العلاقة مع القوى العظمى.
- اكتساب ثقة المجتمع الدولى لتحصيل احتياجات مصر اقتصاديًا وعسكريًا.
 القدر لعب لصالح القاهرة بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.. القاهرة راهنت عليه استنادًا لحسابات دقيقة.
لا يعنى هذا أن العلاقات التى دبت فيها الحياة بوصول ترامب للحكم لم يعتريها خلافات وصلت إلى البرودة فى عز حرارة الصيف الماضى.. تضارب الأجندات والمصالح ووجهات النظر كانت السبب.. القاهرة لا تقف تتحرك وفق مصالحها.. رفعت شعار «مُشاركة لا مُغالبة» زمن التبعية انتهى.. تقر بقوة الدول العظمى وفى مقدمتها الولايات المتحدة.. كما تقر وتعى قدرات وإمكانيات الدولة المصرية ومكانتها.. تصبغ دستورًا جديدًا فى العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة.
قبل أن نأتى إلى نيويورك.. اختتمت المناورة الأكبر فى تاريخ الشرق الأوسط.. النسخة الأخيرة من النجم الساطع أضاءت كل المساحات المظلمة فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن.. تظل العلاقات العسكرية وتطورها خاصةً فى التدريبات المشتركة.. هى رمانة الميزان والمقياس الحقيقى لطبيعة العلاقات بين الدول إيجابًا وسلبًا.
 سبق ذلك الإفراج عن متأخرات المعونة الأمريكية.. القيمة المالية لها لا تهم.. الأهم قيمتها السياسية وتوقيتاتها.
القاهرة التى تحركت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب بحثًا عن مصالحها.. لم تكن تحركاتها ضد طرف أو انحيازًا لآخر.. بقدر رغبتها فى الانحياز المطلق لمصلحتها واستقلال قرارها.
منطلق المسئولية التاريخية والأدبية.. مصر المكان والمكانة.. عوامل فرضت الدور المصرى فى قضية السلام.. القاهرة التى حتى اللحظة تحاول رأب الصدع الفلسطينى - الفلسطينى.. تسعى لرفع المعاناة عن غزة.. لا تحيد عن حل الدولتين.. تعلم جيدًا أنها السند وأن دورها هو بوصلة الأمان للفلسطينيين.
إذا كانت إدارة ترامب ذهبت لما هو أبعد عن أى تخيلات فلسطينية.. القاهرة تسعى لتصويب وترشيد التوجه مع الصديق الأمريكى.
فى هذا.. القاهرة تعلم أنها ستحاسب على ضريبة موقفها.. فتور مؤقت مع الصديق الأمريكى.. عاد يراوح إلى مساحة أكثر دفئًا.. ترامب وإدارته اختارت رئيس مصر مع 6 زعماء للقائهم على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. السيسى الرئيس العربى الوحيد الذى يلتقى ترامب.. ترامب يتوجه إلى مقر إقامة السيسى.
رسائل لا تخطئها عين.. خطط الولايات المتحدة فى الفترة المقبلة بحاجة للدور المصرى.. الصداقة والمصالح بين القاهرة وواشنطن مقدمة على الخلاف.
 الميلاد الثانى للعلاقات ترعرع فى كيمياء خاصة بين السيسى وترامب.. زاد عليه تعاظم الأهمية الاستراتيجية لمصر فى عيون الأمريكان.. ثمن مصر غالٍ.. واشنطن عليها أن تعيد تقديره.. دبلوماسية التغريدات بين الرئيسين فى أعقاب اللقاء.. دشنت شهادة الميلاد الثانية.. قفزت بالعلاقات إلى مساحات أرحب.
الثوابت المصرية عصية على التغيير.. على أرضية التفاهمات والمصالح المشتركة.. يمكن أن نؤسس شراكة استراتيجية أكثر استقرارًا وثباتًا.
ترامب متفهم لوجهة النظر المصرية.. يرى المشروع الوطنى للسيسى محل ومثار إعجاب حتى لو لم يكن هواه أمريكيًا.. ثق فى قدراتك وإيمانك العظيم باستقلالك الوطنى.. تجد العالم فى احترامك.