
حازم منير
الرئيس والبرلمان
قرار السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعادة قانون إلى البرلمان بعد إصداره رسالة بالغة الأهمية والدلالات، وهى من الحالات القليلة التى واجهها البرلمان من سنوات طويلة، وإذا أسعفتنى ذاكرتى فإنى لا أتذكر على مدار 25 عاما تابعت فيها البرلمان كمحرر متخصص أن عاصرت حالة مشابهة.
القانون هو «تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية» أى الأبحاث التى تجرى على البشر لتوفير علاج أكثر كفاءة وأمنًا للمريض – حسب مذكرة الحكومة التفسيرية للقانون – وهوكما كتبت عنه هنا فى 24 أبريل الماضى تحت عنوان «أخطر قانون فى مصر»، لأنه إما أن تدخل به مصر معسكر دول الأبحاث الإكلينيكية أوتتحول إلى سوق عالمية للإتجار بأجساد المصريين فى الأبحاث العلمية.
مشروع القانون وقتها آثار جدلًا حادًا بين المعنيين أثناء ولاية وزير الصحة السابق، وبدت خلافات واضحة حول المشروع من جوانب خطيرة، ورغم ذلك انتهت مناقشات القانون إلى إصداره دون إدخال تعديلات جوهرية عليه على الأقل تطمئن المعارضين او المتحفظين من الاختصاصيين.
رسالة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى للبرلمان أشارت إلى استطلاع رأى الجهات المعنية والمجلس الاستشارى لكبار العلماء والخبراء التابع لرئاسة الجمهورية وقالت الرسالة «لاحظنا عدة أمور رأينا معها إعادة مشروع القانون إلى المجلس الموقر». وهى ملاحظات بدا من الرسالة أنها متنوعة ومتعلقة بأمور شتى فى التشريع وليس جانبًا واحدًا، ولعل من أهمها ماورد فى شأن المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية واختصاصاته الواسعة جدًا والتى يصعب تخيل القدرة على أدائها.
قبل كل شىء فإن إعادة القانون الى البرلمان لا تؤشر على أوجه قصور فى أداء البرلمان وإنما تؤكد مبدأ مسئولية كل مؤسسة بدور محدد تقوم به، وتوسع من مجالات المناقشة والحوار حول القضايا المصيرية وتكرس فكرة الضمانات المطلوبة من خلال توزيع الصلاحيات على مؤسسات مختلفة، وهى تطمئن المجتمع بأن تطبيق النصوص الدستورية وما تحتوى عليه من مبادىء لحماية المواطن المصرى غير قابلة للتهاون فيها.
أما ما يخص التشريع ذاته فقد كان لافتا فى ملاحظات البعض من المشاركين الإشارة إلى الجوانب الرقابية على الأبحاث وعلى إجراء البحوث من خلال تلك الصلاحيات الواسعة للمجلس الأعلى لاخلاقيات البحوث الطبية وأغلبيته من التابعين للسلطة التنفيذية وأقلية من الاكاديميين المعنيين أساسا بالأبحاث، الى جانب تفرده بالقرارات المنشأة والرقابة على الأبحاث وتلقى الشكاوى والبت فيها، أى أنه صاحب القرار والمراقب والحكم فى ذات الوقت أى أننا نجعل منه خصمًا وحكمًا فى ذات الوقت.
أعتقد أن الأفضل لمثل هذا تشريع النص على إنشاء هيئة وطنية رقابية مستقلة، مسئوليتها المتابعة والمراقبة لأداء والتزامات كل المجالس واللجان المؤسسية والباحثين، وتلقى الشكاوى وتحقيقها وإعلان نتائجها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
جانب من مخاطر القانون تتمثل فى كونه يمس حياة المواطن المصرى ويحمى جسده من الاستغلال لأغراض كثيرة أوتعريضه للخطر، ويجب الوضع فى الاعتبار أن بمصر أعدادًا كبيرة من الفقراء ويمكن أن يصبح بعضهم بمثابة ثغرات لاختراق القانون لذلك تمثل الجوانب الرقابية مربط الفرس فى الأمر، والتشدد فى هذا الجانب ليس من معوقات البحث العلمى، فهذا الملف غاية فى الخطورة ولا أعرف لماذا لا يتم تشكيل المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية بقرار من رئيس الوزراء بعد عرض وزيرى الصحة والتعليم العالى بدلًا من تشكيله بقرار وزير الصحة.