الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«طراوى» بين الانطباعية الحديثة ومدرسة مونتمارتر

«طراوى» بين الانطباعية الحديثة ومدرسة مونتمارتر






هناك سببان رئيسيان يحفزاننى على الكتابة عن محمد الطراوى أحد علامات الفن التشكيلى فى مصر بل والوطن العربى أول هذه الأسباب أنه يرتبط معى منذ الصغر بأحد أهم ذكرياتى عن الفن التشكيلى بل ولعلة من جملة عدة فنانين دفعونى دفعًا لحب الفن التشكيلى فلقد كنت بمجرد أن أشترى عدد صباح الخير أو روزاليوسف وأجد دائمًا رسومات منجزة بإتقان تحت عنوان – مائيات طراوى – تتحفز حواسى وأجهزتى البصرية للتلقى والتذوق وبحكم تجربتى المحدودة وقتها لم أكن أستطيع أن أميز إلى أى مدرسة ينتمى أستاذنا محمد طراوى .. لكننى كنت أجد فى دقته وشاعرية المشهد التشكيلى لديه ما يجعلنى أتذكر حتى الآن تفاصيل لوحات أعمال تشكيلية مائية له مثل لوحاته عن النوبة مثلا .
السبب الثانى الذى يدفعنى للكتابة عن طراوى هو أننى منذ أن بدأت أن أكتب فى الفن التشكيلى كناقد متخصص وقدمت عدة مباحث عن فنانين أجانب بدأت الجرائد – وحتى الإندبندنت البريطانية – تلح فى الطلب أن أكتب عن فنانين مصريين أو حتى عرب والحقيقة أنه فى هذه اللحظة ونظرًا للارتباط البصرى لدى بأستاذ طراوى كنت قد فكرت فى أن يكون أول فنان مصرى أكتب عنه لكن مع الأسف لفقر المكتبة المصرية فى التأريخ عن الفنانين وعرض أعمالهم بشكل مرحلى فى المنصات الإلكترونية جعلنى أعجز عن الكتابة عنه حتى أننى فى هذه اللحظة التى كنت أفكر أن أكتب عنه وقتها ومنذ أكثر من 12 عامًا كنت أجهل اسمه الأول.. حقيقة أعترف أنه إلى حد مخجل هناك تقصير من الهيئات المعنية بأن يتوافر للكتاب والنقاد منصة فيها التاريخ الفنى للفنان وأعماله حتى يتسنى لنا الكتابة عنه.
مع أن البعض يعتبر أن المائيات أخف على العين من الناحية اللونية ومن ثم يعتبرها البعض أقل فى الحرفية وهذا بالطبع خطأ شائع فى وطننا العربى فقط، وسوف نعرض لماذا بالتفصيل من خلال الحديث عن محمد طراوى لكننا فى البداية يجب أن نقدم للفنان من حيث التصنيف لأن طراوى فى الحقيقة مر بمراحل عدة ودلف ببطء من مدرسة إلى أخرى .
لا نستطيع تصنيف طراوى ضمن مدرسة من المدارس التقليدية لأنه يقدم الأفكار بشكل طليعى من ناحيتين الناحية التقنية فى التنفيذ وناحية الطرح نفسه لكننا مع ذلك نستطيع أن نقول إن طراوى وقف فى مرحلته الأولى بين عالمين وهو عالم المدرسة الانطباعية الجديدة والتى استبدلت فى بعض مراحلها ضربات الفرشاة العريضة فى خلق المشهد التشكيلى واستبدلت الألوان لخامه أخف من بينها الألوان المائية أو الأكورايل وهى ذات المادة التى أستخدمها طرواى فى مرحلة كبيرة من تاريخة الفنى، استبدلت الانطباعية الحديثة أيضًا ضربات الفرشاة بزخات الأكواريل ومن ثم أصبحت السيمترية الهندسية أكثر اقترابًا للدائرية منها للشكل المستطيل لكن طراوى قدم الحدين الهندسيين فى أعمالة أى الدائرى والمستطيل ومن ثم نستطيع أن ننسب طراوى لما يعرف بمدرسة – مونمارتر -  الباريسية والبعض يطلق عليها أيضا مدرسة فنانين السرعة  لأن الأرتيتسيك الباريسيين المنتمين لمدرسة مونتمارتر لديهم القدرة على إنجاز لوحة أكواريل لكتدرائية – القلب المقدس مثلا – فيما بين 40 دقيقة وساعة كاملة وهذا بالنسبة للفن التشكيلى أنجاز، والحقيقة أيضا أن الوشائج بين أعمال طراوى وبين أعمال مدرسة مونتمارتر والتى من بينها الأسماء الكبيرة مثل ستانلين، هناك مثلا الاعتماد على الشكل البنائى فى العمل بطريقة أو بأخرى – كما قدم طراوى فى أعمالة  بيوت النوبة  مثلا – أيضا خلو اللوحات من خلفيات كاملة وعدم وجود خطوط محوطة للأشكال داخل العمل وهذا بالطبع لأن فنان الأكواريل المحترف يقوم بعملة مباشرة بالألوان دون تخطيط مسبق وهذا الذى جعل بعض الفنانين الكبار يستخدمون الأكواريل نفسه فى أعمالهم التخطيطة – الكارتون – فى مرحلة لاحقه أصبح طراوى أكثر اقترابًا بالواقعية الرومانسية وهى فى مصر تعتبر من أخصب مدارس الفن التشكيلى والتى خرج من رحمها محمود سعيد وغيره من فنانى جيله وهذا ما دفع طراوى لأن يخوض تجربة هامه فى تاريخه الفنى حيث قدم معالجات للوحة بنات بحرى للفنان المعجز محمود سعيد فيما أطلق عليها حوارية مع بنات بحري، وبالطبع كان للحداثة نصيبا كبيرا فى أعمال طراوى وهى مرحلته الحالية فى معركة ناجعة مع التخفيف من ثقل الشكل وطرح أوزان وكتل الشخصيات من خلال تقنية لونية محسوبة كما يبدو لنا فى معرضة القبل الأخير – هى – والذى يتخذ من المرأه موضوعا له فى تنوعيات عدة بعضها يأخذ الشكل من عمق البيئة المصرية.
وتتواصل مراحل طراوى مع بعضها البعض فيما يقدم معرضة الأخير – هى 2 – والمقام حاليا فى متحف محمود سعيد بالإسكندرية والذى يعتبر فى نفس الإطار الذى قدمه فى معرضه قبل الأخير،
دمغ طراوى كل مرحلة من مراحله بسياسة لونية ميزت المرحلة نفسها فمثلا فى المرحلة الأولى أعتمد بشكل كبير على البنيات ودرجاتها حتى الأصفر وفى المرحلة الحداثية أصبح أكثر تميزًا بالأزرق ومراحله وابتعد بشكل كبير عن الألوان الساخنة لطبيعة ما يقدمه ومدرسته الخاصة به.
حصل الفنان المصرى محمد طراوى على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1980 ومنح الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الفنية أوزبكستان حصل على عدة جوائز مهمة عالمية ومحلية من بينها الجائزة الأولى فى مسابقة دبى الثقافية وله مقتنيات فى دول كثيرة مثال الكويت والجزائر وفرنسا وأمريكا.