الجمعة 2 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عصر الحكمة

عصر الحكمة






13... الإشارة.. مساء...التحرير... زحام... شارع... 5... أكتوبر...2018....حمراء....... ما سبق هو مجموعة من البيانات... الصورة الأولية للبناء فى عصر المعلومات... لكنها  تبقى بيانات منفردة...غير مرتبة وغير متصلة... لا تعطى معنى إلا بعد القيام بعدد من العمليات عليها... أولها الربط المناسب بين عناصر البيانات  لتصبح.... الإشارة حمراء اليوم 13 أكتوبر 2018 الساعة الخامسة مساء فى شارع التحرير.... مجرد الربط المناسب حول البيان إلى معلومة ذات معنى..... هذا هو عصر المعلومات... أن يكون كل شىء مرصودًا ويمكن معالجته بطرق متعددة أبسطها الربط فى سياق مفهوم ثم يتم تخزينه واسترجاعه وقت الحاجة....
يأتى بعد ذلك الترتيب والتبويب والتصنيف....  تتحول المعلومات إلى معرفة... تمتزج بالخبرات لتعطى صورة متكاملة عن الموضوع محل الدراسة أو البحث... هذا هو قمة الهرم حتى وقت قريب... بيانات ثم معلومات ثم معرفة.... بيد أن المعرفة وحدها لا تكفى...الحكمة هى المستوى الأعلى... الحكمة تزن المعارف بميزان العقل وتقوم بعمليات إضافية مثل مقارنة البدائل المختلفة... مميزات وعيوب وحسابات تكلفة ومكسب وخسارة... مكسب اقتصادى أو سياسى...
المعرفة موجودة حولنا فى كل مكان من خلال الشبكات الممتدة وقواعد البيانات والمقالات والكتب ولكن الحكمة شيء آخر...الحكمة مرتبطة بالتحليل العميق للمعلومات ثم اتخاذ القرار المناسب...الحكمة مرتبطة بالفعل... حتى تتحول المعلومات من حروف وأرقام على الشاشات وفى الكتب إلى فعل على أرض الواقع... فعل منضبط يتلافى أخطاء الماضى.... الحديث يدور عن انتهاء عصر المعلومات وبدء عصر الحكمة... ولأن الحكمة ضالة المؤمن فهى عزيزة... ومهمة وبدونها نظل فى المراحل السابقة... بدون الحكمة سيستمر التاريخ فى إعادة نفسه.... أما بالحكمة وتأصيل وجودها فسيتعلم الإنسان من أخطاء الماضى... ينظر إلى المستجدات الحالية وإلى ما لديه من مخزون معرفى ثم يقوم بالخروج بالحكمة المناسبة...لا توجد حكمة بدون فعل.... هذا هوالفارق بين أن تعلم كيفية زراعة الأرض وبين أن تأخذ قرارًا حكيمًا بزراعة هذا النوع أوذاك...
قبل عصر المعلومات كانت الحكمة فى الغالب متركزة فى كبار السن... تشعر بالأسى عند وفاة أحدهم لأنك تفقد جزءًا من الحكمة...حدثت تجارب سابقة على كيفية الاستفادة مما فى عقولهم من حكمة وتفريغها لضمان عدم فقدانها.... بالطبع عصر المعلومات سيختصر السنوات والمجهود... أى تجربة سابقة يمكن استرجاعها فى ثوان... ليتم تحليلها والخروج بالحكمة.... الأمثلة عبر التاريخ كثيرة لتكرار الأخطاء نتيجة غياب المعلومات... ذلك إذا استبعدنا العوامل الأخرى... أتصور أن عصر الحكمة قد بدأ...كم المعارف المتوفرة يؤدى بالضرورة إلى الحكمة...لا يمكن أن تتجاهل هذه المعلومات والمعارف وتسير فى عكس الاتجاه... ستكون خارج الزمن والمنطق والسياق... فى المثال السابق تكون المعرفة أن شارع التحرير يكون مزدحمًا آخر النهار... وتكون الحكمة هى التوقف بالسيارة فى إشارة المرور تجنبًا لتحرير مخالفة..... وللحديث بقية