عصام عبد الجواد
انقراض المهن الحرة
ظاهرة غريبة وعجيبة كانت فى البداية منتشرة فى المناطق العشوائية أو المناطق النائية إلا أنها أصبحت تنتشر فى كل مكان حتى فى الشوارع الرئيسية فى القاهرة والإسكندرية والجيزة وكل محافظات مصر وهى انتشار مركبة التوك توك الذي تحول إلى سرطان ينهش فى جسد الشوارع والميادين ويشوه الصورة الحضارية لبلادنا الجميلة خاصة أن 90٪ من هذه المركبات لا تحمل ترخيصًا وأن أغلب من يقودونها أطفال صغار البعض منهم أحيانًا لا يتجاوز عمره العشر سنوات وحسنًا فعلت بعض المدن أو الأحياء التى تمنع دخول التوك توك إلى أماكنهم وإذا ألقى القبض على البعض منهم تتم مصادرته فورًا وأيضًا ما قامت به الأحياء بإعطاء بعض هذه المركبات تصريحًا بعد تسجيله ووضع لوحات عليه.
لكن الواقع يقول إن عشرات بل مئات الحوادث اليومية البشعة التى تقع فى طول البلاد وعرضها بطلها أصحاب أو سائقو هذه المركبات بعد أن تحول عدد منهم إلى مجرمين عتاة، فأغلب جرائم الخطف والسرقة والنشل والاغتصاب يستخدم فيها التوك توك، ناهيك عن تعاطى المخدرات لأغلب السائقين الذين لا يبالون أبدًا بما يحدث حولهم.
الإحصائيات المتضاربة تقول إن عدد مركبات التوك توك فى مصر يتراوح ما بين مليون ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين توك توك، فليس هناك إحصاء واحد دقيق فقد يزيد العدد على ذلك بكثير وقد يقل لكن يبقى الخطر الكبير من استخدام هذه المركبة التى تجوب شوارع مصر من أقصاها إلى أدناها رغم الرقابة المشددة عليها من أجهزة الدولة ومحاولة توفيق أوضاعها وجعلها مركبة معترفًا بها إلا أن السائقين الذين يقودونها لدى البعض منهم مشاكل أمنية، فالغالبية العظمى من صغار السن والبعض منهم مسجل خطر والقليل هو من تنطبق عليه شروط قيادة المركبة.
لكن الحقيقة الأمر لم يتوقف عن ذلك بل استطاع التوك توك أن يتخطى حوادث السرقة والقتل والنشل والاغتصاب للتأثير المباشر على الصناعات اليدوية مما أدى إلى ندرة أصحاب الحرف اليدوية والمهن الحرة كالنجارة والسباكة والأيدى العاملة فى الورش والمصانع والمزارع وغيرها من المهن التى كانت تستطيع أن تربى الصغار على حرف ومهن يكبر ويشب عليها وأيديهم كانت تتلف فى حرير.
أما الآن إذا وقفت فى أى شارع وسألت عددًا من سائقى التوك توك فسوف تستغرب أن أغلبهم كان يمتهن حرفة يدوية مثل نجار موبيليا أو عامل رخام أو سيراميك أو عامل خراطية فى ورشة وغيرها من المهن التى يمكن له بعد عدة سنوات من خلالها أن يصبح أسطى أو كبير عمال المهم أنه كان يمكن له بعد فترة من الزمن أن يصنف صاحب حرفة تدر عليه دخلًا كبيرًا جدًا من دخله الحالى على التوك توك لكنه اتجه إلى العمل على التوك توك من الصغر لأنه الأكثر سهولة والأكثر سرعة فى الدخل فهو يمكن أن يتكسب من العمل على التوك توك من مائتى جنيه إلى ثلاثمائة جنيه فى اليوم الواحد وأحيانًا أكثر، أما المهنة التى يعمل عليها فهى تحتاج منه إلى صبر سنوات وهو لا يستطيع أن يصبر لذلك يجب على الدولة أن تضع حدًا لاستيراد هذه المركبة وأن يتم ترخيصها فورًا وأن تتم مراجعة من يعملون على هذه المركبة وإقناع البعض منهم بالعودة إلى مهنهم الحرفية التى تحتاجها الدولة ويحتاجها صاحبها لأنها سوف ترتقى به داخل المجتمع مع مرور الوقت.
وأن من يعمل على هذه المركبة لا يقل سنه عن عشرين عامًا وأن يتحرك المجتمع المدنى الذى يعمل على تنمية الحرف اليدوية ويمد يد العون لهؤلاء الذين تركوا مهنهم من أجل الكسب السريع.
حفظ الله مصر وشعبها وقيادتها.