
رشدي أباظة
مدرسة السيسى الدبلوماسية
لم تعرف مصر من قبل دبلوماسية التوازنات المنضبطة فى الملف الخارجى. كانت شرقًا أو غربًا فقط. دبلوماسية ناصر اتجهت لصالح الاتحاد السوفييتى. دبلوماسية السادات اتجهت أولا لصالح الاتحاد السوفييتى ثم الولايات المتحدة. وكذلك مبارك لصالح الولايات المتحدة.
كان على الجميع الاختيار بين قطبين أو ثلاثة إذا ما أضفنا الصين أو الاتحاد الأوروبى. دبلوماسية الرئيس السيسى الوحيدة التى عرفت التنقل بين كل الأقطاب. وبينه وبين الكل مسافة واحدة. مسافة احترام. توقير مبنى على تنوع المصالح. فى ذلك فلسفة دبلوماسية عظيمة تقول لا تضع البيض فى سلة واحدة. دبلوماسية الانفتاح المتوازن. سوقت دبلوماسية السيسى الدولة المصرية فى وقت شديد الخطورة والحساسية. فعل فعلتين. الأولى إخراج بلاده من نفق مظلم. نفق حكم نظام إسلامى هوى. نظام كاد يودى بالبلاد إلى أتون فوضى واقتتال دينى داخلى مرير. الثانية تسويق الدولة المصرية ما بعد الأزمة التى خلفها عزل ذلك النظام حفاظًا على الأمن القومى لمصر. إذا علمنا أن السيسى تجاوز أزمة عزل مرسى منتقلًا منها إلى التسويق ثم إلى تحقيق مصالح بلدان وتنوعها فإننا نكون أمام معجزة دبلوماسية حقيقية. السيسى فى شهر واحد يلتقى الرئيسين ترامب فى نيويورك، وبوتين فى سوتشى وسط حفاوة بالغة. يلتقى القطبين دون أن يكون له ميل لأيهما على حساب الآخر. يناصر القضية الفلسطينية التى يقف ضدها ترامب ويرفض السياسات الإيرانية التى يناصرها بوتين. يقف ضد الثورات الفوضوية التى تدعمها الولايات المتحدة فى العالم العربى ويقف ضد الموقف الروسى الذى يناصر النظام التركى الداعم للإخوان. ما كان لأحد قبل السيسى أن يقف تلك المواقف المناقضة لرغبات القطبين الكبيرين.
كل ذلك يجعلك تسأل فى ذهول عن طبيعة القدرة على تنسيق تلك الملفات الدولية المتشابكة لتحقيق مصلحة مصر العظمى فقط دون غيرها.
مصالح تدور على أنقاض دبلوماسية عالمية معقدة. لقد أصبحت إدارة الملف الخارجى للدولة المصرية فى سنوات حكم الرئيس السيسى مدرسة دبلوماسية جديدة تستحق الدراسة.
إذا ما أضفنا إلى العلاقة بين القطبين علاقة مصر بالصين التى زار رئيسها مصر العام الماضى ردًا على زيارة السيسى لها، فإنك تقف مزهوا بفعل هذه الدبلوماسية. فضلا عن إدارة الملف الأفريقى المعقد بقضية سد النهضة وتحمل ما لا يمكن لأحد تحمله لخطورة القضية على الأمن القومى لمصر. وكيف استطاعت الأجهزة السيادية ترويض هذا الملف الذى كانت الأنظمة السابقة تركته حتى صار كرة لهب انفجرت فى وجه دولة ٣٠ يونيه. وفى ذلك معجزة أخرى تستحق مقالًا آخر عندما يزور الرئيس السيسى السودان الأسبوع القادم!