الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قمة التوازن

قمة التوازن






30 يونيو 2013 تاريخ فارق ليس فقط لمصر.. التأثيرات المنظورة وغير المنظورة لهذه الثورة العظيمة، لم يتوقف مداها عند حدود الشأن الداخلى المصرى؛ بل تجاوزته لإعادة تشكيل المنطقة بل والنظام العالمى أيضًا.

دعم موسكو لثورة الشعب المصرى ضد جماعة الإخوان.. دفعة وزخم جديد للعلاقات المصرية -الروسية. انتقلت العلاقات الممتدة لـ75 عامًا إلى مساحات أكثر دفئًا.. ذاب الجليد ومعه جرف كل رواسب العلاقات القديمة..القاهرة ذهبت بعد ثورتها لاستقلالية القرار الوطنى والشراكة والمصالح المتبادلة.. التوازن فى العلاقات مع القوى الكبرى.. روسيا.. الولايات المتحدة.. الصين.. الاتحاد الأوروبى.

العلاقات بين القاهرة وموسكو قديمة وراسخة.. الواقع اختلف.. روسيا ليست الاتحاد السوفيتى.. مصر لم تعد تلك التى كانت فى العهود السابقة.. التطور فى البلدين يلزمه تطور فى نظرة كل منهما للآخر ومستقبل العلاقات الثنائية.. احترام السيادة وتجنب ممارسة الضغوط يقفز بالعلاقات إلى مساحات أرحب تسمح بتحقيق الشراكة الشاملة.

قبيل زيارة السيسى.. بوتين فى زيارة لمزارع الفاكهة بإقليم «ستوفر بول» الروسى. هنأ العاملين فى المزرعة.. أخبرهم بأنه يعتزم دعوة ضيفه «السيسى» لتناول منتجات المزرعة من محصول التفاح الجديد.. دعوة تكشف عن تحول نوعى.. المعروف فى مصر عبر التاريخ التفاح الأمريكانى.. هكذا يطلق عليه المصريون.. لم يعرف المصريون مذاق أو شهرة التفاح الروسى.. المائدة السياسية المصرية تتسع للتفاح الأمريكى وكذا التفاح الروسى ولا مانع أيضًا من وجود تفاح صينى إذا تطلب الأمر.
السيسى أكثر رؤساء مصر برجماتية.. أكثرهم أيضًا تمسكًا بثوابت الدبلوماسية المصرية وشرفها.. الرجل يتحدث لغة واحدة يفهمها العالم.. لغة المصالح المتبادلة؛ ليرسم سياسته من خلال المبادئ التالية.
■ مصر تملك أوراقًا للعب الدولى.
■ مصر تملك أدواتها الدولية وتسيطر عليها وتجيد استخدامها.
■ مصر ليست حقلاً للتجارب الدولية.
■ مصر ليست محلاً لصراع القوى الكبرى.
■ مصر عصية على الانكسار.
■ مصر لديها القدرة على اللعب الدولى الجماعى وعلى التمريرات الاحترافية وإحراز الأهداف النظيفة.
■ مصر أيقونة مكافحة الإرهاب فى العالم.
■ مصر لا يمكن أن يُفرض عليها الجلوس بمقاعد المتفرج الإقليمى.
■ أزمات مصر لم تنجح فى تقزيم أدوارها.
بهذه الثوابت اتسم أداء الرجل.. انعكس على أداء الدولة.. حقق بها معادلة صعبة فى توازن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة.

الرجل الذى ذهب إلى الصين حاملاً المبادرة المصرية لإعادة إحياء طريق الحرير؛ انطلق إلى شراكة استراتيجية مع الصديق الأمريكى.. أعاد تأسيس الميلاد الثانى مع الولايات المتحدة.. اليوم يتجه بوضوح نحو الدب الروسى.. خطوط السياسة الروسية كلما امتدت نحو الشرق تتقاطع مع وجود مصرى واضح.. علاقة مكنت روسيا بالعودة إلى المياه الدافئة بعد غياب طويل وصولاً إلى دور روسى فاعل فى تطوير منظومة التسليح المصرية.. انتقالاً آخر بمصر إلى عصر الاستخدام السلمى للطاقة النووية.
مصر صانعة التوازن فى الإقليم لا تنجر أو تتورط وراء جهة أو قوة بعينها.. تحتفظ بعلاقات منضبطة ومنفتحة مع الجميع.. مرونة تكتيكية تحسب للاعب السياسى المصرى.

المشهد السياسى الدولى على عمومه فى حالة سيولة أتاحت للدور المصرى تكوين شبكة علاقات متشابكة ومختلفة ومعقدة.. القاهرة التى أعادت الدفء إلى علاقاتها مع واشنطن تدرك أيضًا أهمية اللاعب الروسى وحيويته.. روسيا الأكثر فاعلية وتأثيرًا فى الملف السورى.. تطلعات روسية لافتة فى الملف الليبى.. تقاطع مصالح مصرية ـ روسية فى مجال الطاقة.. روسيا سوق سياحية لا تزال واعدًة بالنسبة لمصر بمجرد حل أزمة عودة الطيران.. مصر تسعى للاستفادة من رغبة روسية لتثبيت أركانها الاقتصادية فى المنطقة.. الدولتان اتفقتا على منطقة صناعية بمحور قناة السويس.. القاهرة تسعى لتوطين الصناعات والتكنولوجيا على أراضيها.. روسيا تريد الاستفادة من ميزات ومستقبل وموقع محور القناة.. تلاقت المصالح.. تقاربت وجهات النظر فى القضايا الإقليمية والدولية.. تتويج هذا كله بتوقيع اتفاقية الشراكة الشاملة.
قمة السيسى ـ بوتين صداقة، وتشابه ظروف الرجلين جمعت بينهما الأقدار.. دفعا معًا العلاقات إلى الأمام.. تجاوزا العقبات والتعقيدات.. إذا ربحت روسيا مصر؛ عادت أمجادها التاريخية فى المنطقة.. هكذا يحلم بوتين.. مصر دولة محورية فى العالم.. عظمى فى الشرق الأوسط.. الحقيقة أن مصر هى تفاحة الشرق.. القاهرة أعادت تقييم أدواتها بما يليق بتاريخها وحاضرها ومستقبلها.

السيسى عاد إلى القاهرة مظفرًا.. ختم جولته الثلاثية خلال شهر بين عواصم الصين والولايات المتحدة وروسيا.. القاهرة شريك استراتيجى للقوى العظمى قبل أن يشهد نشاطًا ناحية أوروبا.
سوتشى شهدت على عظمة الدبلوماسية المصرية.. مشهد النهاية.. بوتين يصطحب السيسى فى سيارة يقودها.. ورسالة مفادها «طريقنا واحد».