
حازم منير
التكفير والهجرة فى السياسة
فى السياسة دائما هناك ظواهر مختلفة، وأنت تستطيع الاتفاق فى موقف والخلاف فى آخر، وأن تتفق مع شخص ما فى موضوع وتختلف معه فى موضوع آخر، وهكذا الحياة كما يقول المثل: «أخد وعطا» لكننا فى مصر لدينا جماعة فريدة فى تركيبها وإن كانت ليست حالة خاصة إنما هى متواجدة فى الاغلب فى عدد من بلدان العالم يحملون نفس الأسلوب ونفس النهج .
هذه المجموعة لا تقبل بالخلاف معها وتعتبر أن رأيها سديد غير قابل للتفاهم والتحاور عليه، لكنها تحاسبك أشد الحساب لو اختلفت أنت معها، وتكيل لك أشد الاتهامات لو تماديت فى خلافك، وتعتبرك فى خانة الأعداء وليس المختلفين، وهى لا تقبل بتغيير توصيفك حتى لو اتفقت معهم مرة فى الرأى، فهم يعتبرون أن الخلاف معهم لمرة واحدة خيانة وعمالة.
أسوأ ما فى هذه المجموعات أنها تضفى على أفكارها ثوبا من القدسية، فرؤيتها سليمة وتحليلها صواب وأفكارها لا يصيبها الشك ولا تخضع للتأويل أو التفسير إلا ما ينطقون، وهى تعتنق الباطل وتعتبره حقا، وتبدل الحقائق وتنكر المعلوم بالضرورة لو اختلف مع آرائها.
لا يمكن أن تتداول معهم أو تتناقش معهم، فهم يعتبرون الحقوق والحريات مقتصرة عليهم، وهم يعتقدون أن الحرية تعنى أن تفعل ما تشاء وتقول ما تريد، ولا يفرقون بين حرية الرأى وبين التشهير والاساءة، وهم ينكرون المبادئ المستقرة وتفسيراتها المتفق عليها، لأن لهم تفسيراتهم الخاصة.
هذه المجموعات لا تتفق معك أو تختلف، ولكنها تختلف دائما، ولا تعرف حدودا للاختلاف، فهى تعتبر أن الاختلاف مع الآخرين أساس الحياة، لذلك لا تجدهم ضمن المشاركات العامة فى المجتمع وإنما لهم فعالياتهم الخاصة بهم التى يعتبرون أنها الأحق والأنفع للبلاد.
أتذكر سألت أحدهم ذات يوما: لماذا لا أراكم تشاركون فى الانتخابات أو فى مؤتمرات أو ندوات، قال: لا نشارك فى بناء مزيف ولا ندعم أكاذيب أو ادعاء بحريات، والمؤتمرات بالنسبة لنا مجال لكشف الاكاذيب وليست مجالا للحوار لأننا لا نتحاور معكم.
وربما يفسر كل هذه الظواهر والمفاهيم ما يجرى على السوشيال ميديا من وقائع مؤسفة؛ لكنها مضحكة فى ذات الوقت، من إساءات وسخرية من الآخر وانتهاك خصوصية الناس والخلط بين الحريات وبين قذف مخالفيهم وسبهم، وتمرير الشائعات والأكاذيب تحت مسمى حرية النشر والتعبير.
نحن فى مصر أمام ظاهرة ليست فريدة فى العالم لكنها أكثر انتشارا وظهورا من غيرها، وكعادتنا نتلقى الظواهر من الخارج لكننا نضيف عليها ما يجعلها الاسوأ فى التنفيذ، ونتمادى فى سلوكنا حتى نتجاوز كل ما يمكن تخيله، ونتحول إلى أدوات تمرر للمجتمع ادعاءات الاعلام الدولى الكاذبة .
التكفير والهجرة لمن لا يتذكر كانت جماعة دينية إرهابية متطرفة، الآن لدينا جماعة سياسية متطرفة وإرهابية جديدة هى أيضا التكفير والهجرة.