
حازم منير
فى مسألة مجانية التعليم
لا أعتقد أن هناك اتجاها لإلغاء مجانية التعليم فى مصر وأشك كثيرا ان هناك حكومة رشيدة تتخيل مثل هذا القرار الذى يتصادم مع حقائق الحياة وتراث شعب وواحد من اهم المكتسبات الاجتماعية التى تحققت فى الوطن على مدار تاريخه الطويل.
اعتقادى قائم على حقائق الحياة ومن اهمها ان ازمة التعليم ليست فى المجانية إنما فى غياب رؤى وادوات لتوفير موارد لتصحيح الاوضاع وان هذه الموارد لن تتوافر بالغاء المجانية وانما بتحقيق تنمية فى موارد الدولة عن طريق خطط التنمية والتحديث الصناعى والانتاج الزراعى وزيادة الصادرات.
ومن حقائق الحياة ايضا ان أغلب رموز العمل العام فى مصر والقادة السياسيين والمفكرين والادباء وغيرهم من الشخصيات العامة التى لعبت دورا وطنيا مهما فى الوطن وقادت مسيرة العمل الوطنى فى لحظات حرجة من تاريخ البلاد كلها من ابناء مجانية التعليم ومدارس الحكومة ولولا مجانية التعليم ما كانت هذه الرموز قد تلألأت وأضاءت البلاد فى كل المجالات وساهمت فى عمليات التنمية الناجحة.
ومن حقائق الحياة كذلك ان الشعوب المؤمنة بدورها تتمسك بتعليم ابنائها ولا تقبل ابدا الغاء حقها فى تلقى أكبر قدر من التعليم والمصريين حين ينفقون اغلب اموالهم على الدروس الخصوصية أو المراكز لانهم لا يجدون التعليم المطلوب فى المدارس فهم يفعلون ذلك لاهتمامهم بتحصيل ابنائهم اكبر قدر من العلم وليس لانها رفاهية.
ومن حقائق الحياة أيضا أنك لا تستطيع الاستناد على مقولة الانفاق على الدروس الخصوصية او«السناتر» كمبرر لالغاء التعليم المجانى طالما الناس قادرة تدفع فالجميع يعلم ان الناس تستقطع من بنود اخرى للانفاق حتى توفر للتعليم فضلا عن غرابة هذا المنطق فهل يُمكن تخيل اطلاق النار على مريض السرطان لانه لن يشفى مثلا أو أن نقطع يد مريض بدلا من البحث عن وسائل اخرى لمعالجته والحفاظ على صحة بدنه.
ومن حقائق الحياة ايضا عدم وجود صلة بين الغاء مجانية التعليم وتوفير موارد للدولة للانفاق على عملية تعليمية بديلة فالغاء المجانية معناه وببساطة ان قطاعا كبيرا جدا من التلاميذ فى المدارس سينقطع عن العملية التعليمية وليس صحيحا ان تخفيض عدد التلاميذ سيقلل العبء على الحكومة لان عدد المتعطلين فى المقابل سيزداد بسبب زيادة المنقطعين عن التعليم كما ان كفاءة المواطن المصرى ستقل جراء الجهل وعدم تلقى جُرعة مناسبة من التعليم تُزيد من قدراته الفكرية والذهنية ومهاراته الابداعية.
ومن حقائق الحياة ايضا انك لا تستطيع مطالبة الناس بالتوقف عن الانفاق على الدروس الخصوصية وتوجيه هذه الاموال الى المدارس كجزء من عملية رفع الرسوم المدرسية لأن الناس يعلمون انهم حتى فى هذه الحالة سيلجأون مرة اخرى للدروس الخصوصية ما دامت الدولة لم تحل جوهر المشكلة وهى المزيد من الابنية التعليمية ورفع رواتب المُعلم بما يمنعه عن العمل الخارجى الخاص.
ومن حقائق الحياة اخيرا ان الدول العظمى تُنفق على العملية التعليمية باعتبارها جزءا أساسيا من خطط التنمية وبناء البشر وملكاتهم وقدراتهم وتنمية مهاراتهم الذهنية هى اساس النجاح والتقدم والتفوق وان الدول المتراجعة والمتخلفة هى تلك التى يقل فيها عدد المتعلمين ويزداد فيها عدد المتسربين والمنقطعين عن العملية التعليمية.
اعتقد ان الحكومة ستبحث عن موارد اخرى لتطوير التعليم وتحسينه غير الغاء المجانية فلا احد يستطيع الصدام مع حقائق الحياة.