الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المواجهة التشريعية لظاهرة البلطجة

المواجهة التشريعية لظاهرة البلطجة






كانت البلطجة حتى عام 1998 تشكل مصطلحًا اجتماعيًا وليس قانونيًا، باعتبارها ظاهرة اجتماعية تنضوى تحت لوائها عديد من الأفعال والنتائج التى تكون عنصرى الجريمة الجنائية، وكان تجريمها يخضع للأحكام العامة فى التجريم والعقاب،  إلا أنه فى عام 1998 وفى أعقاب زيادة حجم تلك الظاهرة كما وكيفا، شكلا وشاكلة، فقد أضاف المشرع المصرى باباً جديداً إلى قانون العقوبات (هو الباب السادس عشر) المعنون: الترويع والتخويف ( البلطجة ) وذلك بموجب القانون  رقم6 لسنة 1998، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريته وصدر الحكم بجلسة  7 مايو سنة 2006 فى القضية رقم 83 لسنة 23 بدستوريته.
وفى أعقاب أحداث 25 يناير 2011، وما تلاها من تداعيات الانفلات الأمنى، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011  بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، حيث نص على إضافة مادتين برقمين إلى قانون العقوبات، تناولتا تجريم أفعال البلطجة فى جريمتين: أولاهما جريمة البلطجة العادية التى عاقبت  بالحبس مدة لا تقل عن سنة عن بعض صور الجريمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات عن صور أخرى، ويقضى فى جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة  الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها.أما الجريمة الأخرى فهى جريمة البلطجة بظروفها المشددة، والتى يضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقررة لأية جنحة أخرى تقع بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها فى المادة السابقة، ويرفع الحد الأقصى  لعقوبتى السجن والسجن المشدد إلى عشرين سنة لأية جناية أخرى تقع بناء على  ارتكابها، ويقضى فى جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكومة بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين.
تلكم كانت المواجهة التشريعية القائمة لمواجهة ما يطلق عليه اصطلاحا ظاهرة البلطجة.
والتساؤل الآن: هل تعد تلك النصوص كافية وناجعة لاستئصال شأفة داء البلطجة من المجتمع المصرى ؟، وهل تشديد العقوبات هو الحل لردع المجرم، وزجر غيره؟
أعتقد أن الإجابة على كلا السؤالين بـ (لا)، فهذه النصوص ليست كافية – فى تقديرى – بل الأمر يتطلب تشريعًا جنائيًا خاصًا مستقلًا وليس تعديلًا فى قانون العقوبات، يتناول هذا التشريع الأفعال التى تعد بلطجة تطبيقا للقاعدة الدستورية أنه لا جريمة ولاعقوبة إلا بناء على نص، ويحدد جرائم البلطجة ويرصد لها العقوبات القمينة بهذا الردع وذاك الزجر، وقد أثبت الواقع العملى أن تشديد العقوبات ليس أفضل وسيلة لذلك، بل إن سرعة ضبط الجناة وتقديمهم لمحاكمة عاجلة وتنفيذ الأحكام عليهم، قد يكون من أهم آليات الردع والزجر، وقد يكون من المناسب تخصيص دوائر فى محاكم الجنح والجنايات لجرائم البلطجة.
كما أرى أن الحلول التشريعية تتكامل مع نشر ثقافة الوعى بالقانون، وذلك ما أردده منذ نيف وثلاثين عاما أن الوعى بالثقافة القانونية، هو صورة متمازجة وشاملة لكل أنواع الوعى، وفى مقدمتها الوعى الاجتماعى، وهذا يعنى استيعاب المواطن لكل ما يدور حوله من علاقات ومفاهيم وأهداف من خلال تصورات قانونية سليمة؛ بأن يتبنى هو بذاته القانون، وأن يعتبره قيمة من القيم التى يحترمها، وأن يتعامل مع واجباته بوصفها شيئًا وجد لمصلحته، حاضرًا له، ومستقبلا لأبنائه، وهو أمر لا يتأتى إلا من خلال منطق بناء وعيه بضرورة وجود القانون فى حياته، وبفائدته، وبأنه جزء لا يتجزأ من مسئوليته الشخصية، وهو واجب وطنى وأخلاقى لا مراء فيه، وكذلك تعميق إدراكه بأن هناك ناظمًا موضوعيًا يحكم علاقاته، وهو القانون.. الذى يستظل الجميع بحمايته إنصافاً للحق، أو يقع تحت طائلته حسابًا وعقابًا!
وبالقانون.. تحيا مصر.