الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تنظيم «العائدون من الجحيم»!

تنظيم «العائدون من الجحيم»!






فى ثمانينيات القرن الماضى. بالأمس القريب. بالتواطؤ. وبغير التواطؤ. بقصور الرؤية الأمنية آنذاك. كانت بعض قيادات الإرهاب المصرية قد رحلت عن البلاد. الرحيل وقتها كان إلى أفغانستان. إلى أرض الجهاد المزعوم. هناك حيث تلاقت مجموعات التطرّف من كل صوب وحدب لتنشئ خلطة جديدة من الإرهاب الدولى الذى تحول إلى غاية لا نهائية.
تلاقى التطرّف ساعتها فى ساحة الإرهاب المتعدد الجنسيات العابر للحدود. رسَّخ قناعة لدى تلك القيادات والقواعد أنه يمكن جدًا تجاوز الدولة الوطنية، وإعادة اختراع ولاءات جديدة. على أرض الموت اعتقدت أوهام الإرهاب أنه يمكن تأسيس قاعدتهم الجديدة لدولة إسلامية ـــ من وجهة نظرهم ـــ قادرة على محاربة الطواغيت الكافرة. بينما كان مكتب المخابرات المركزية الأمريكية متواجدًا فى العلن. فى معسكر بيت الأنصار الذى كان يستقبل مَنْ سموا أنفسهم بالمجاهدين. الذين راحوا يجاهدون الحياة ومظاهر الحضارة والمدنية. معتقدين أنهم قادرون على مواجهة آلة الحرب الروسية من أعلى ظهور خيولهم وبغالهم وحميرهم.
الخادعون المنخدعون. عاشوا أوهامهم بعدما فروا من فشلهم وبؤسهم فى أوطانهم فراحوا يبحثون عن قيمة تضاف لحياتهم فإذا بهم يستثمرون فى موتهم. الحرب ضد الروس وضعت أوزارها وانطلقت روسيا نحو آفاق المستقبل. ومازالت أفغانستان تمزقها أفكار وأسلحة التطرّف التى زرعت فى حقولها.
المجتمعون فى معسكرات الموت تنامت خطورتهم، بعد أن وضعوا دستور الإرهاب الجديد الذى حوَّل طاقاتهم القتالية إلى فرض عين. حال واجب التطبيق تجاه أنظمة دولهم التى تمنع تطبيق وإقامة الشرع.
■ ■ ■
العائدون من الجحيم عادوا إلى «ديار حرب» كانت يومًا ما وطنًا وسكنًا لهم. المتعطشون للدماء تنامت خطورتهم بعدما حصلوا على دورات عملية متقدمة فى سفك الدماء. القتلة عادوا إلى أوطان آمنة بعدما زاد فكرهم المريض مرضًا على مرض.. فأفرزت تجربتهم جماعات إرهابية تميزت بما يلى:
■ التشبع بفكر متطرف أشد تكفيرًا
■ التدريب على القتال
■ التشبع بحالة جفاء تجاه أوطانهم التى هجروها سنوات وتشوهت خلالها هوياتهم.
■ الإدمان على حالة جهاد وهمية تضيف إليهم قيمة لحياتهم الافتراضية
■ الرغبة الدائمة فى تسليم إرهابهم لجيل جديد
■ الوقوع أسرى لحالة وهمية عن انتصارات حققوها فى أرض مسلمة بفعل الجهاد.
بهذه الخلطة الإرهابية الجديدة عادت قيادات القتل إلى بلادها لتستأنف جرائمها.
العائدون من أفغانستان والعائدون من ألبانيا ومن والبوسنة والهرسك ومن العراق. عناوين لحقب زمنية عانت مصر خلالها ويلات الإرهاب، الجميع كان فى بعثة إرهابية لتطوير واكتساب مهارات جديدة للقتل والتفجير وتكتيكات العصابات، كل من سافر حاملًا لفكرة نظرية عاد بعد أن مارس تدريبًا وتطبيقًا عمليًا لفنون الإرهاب المختلفة وذاق طعم الدماء واستباح نفوس البشر.
الفكرة أساسا تقوم على عدم الاعتراف بالدولة الوطنية فيتحول استدعاء المقاتلين الأجانب إلى واجب شرعى وجهاد فى سبيل الله ونصرة للإسلام دونما أى اعتبار لحدود أو سيادة أو اعتراف بالدولة.
الهاربون بأفكارهم حطوا رحالهم فى معسكرات خارجية توفرت فيها البنية التحتية واللوجيستية للإرهاب إلى جانب البنية الفوقية لأفكاره وتنظيراته، كانوا فى رحلة مؤقتة إلى الموت تنتهى بعودتهم إلى بلاد كانت أوطانهم من أجل تسويق إرهابهم فى دروبها الآمنة.
■ ■ ■
الآن نحن على موعد مع القتلة الجدد. نحن على موعد مع العائدين من ليبيا ومن سوريا ومن تركيا. الجميع قبلتهم مصر حيث قاهرة الإرهاب. حيث نموذج الإصرار على الدولة الوطنية سبيلًا وحيدًا ضد الطائفية والقبلية وضد الميليشيات وضد استخدام الدين لاحتكار الدنيا.
هنا فى القاهرة التى رفعت عنهم غطاءهم السياسى والتنظيمى حتمًا سيكون الموعد، هنا حيث ثورة ٣٠ يونيو التى تجاوزت آفاقها الميادين المصرية، هى بحق أول ثورة إنسانية عابرة للحدود كاشفة لتنظيمات الإرهاب المستدام. على قلب إرهابى واحد اجتمع الهاربون يضعون مخطط العودة إلى مصر. بعد أن وضعوا دستورًا للإرهاب الجديد والقديم.  شيوخ الإرهاب سيطرت عليهم مشاعر الانتقام من مصر التى كانت سببًا فى التعرية التاريخية لإفكهم وإجرامهم.
على الجانب الغربى من مصر أرادوا أن ترسو قاعدتهم الجديدة على أرض ليبيا قبلة لإرهابهم وإرهابييهم بتمويلات قطرية وتركية معلنة، وفى مواجهة دعوات مصر لإعادة» الإعمار السياسى والإنشائى» أعلنوا هم «إعادة الإرهاب». وراحوا يستدعون خبراتهم القديمة فمدوا الجسور مع القابعين فى أول مكتب إقليمى لحركة «طالبان» على أرض الدوحة واهمين أن حدود مصر يمكن أن تكون مستباحة لإرهابهم.
■ ■ ■
هناك فى أرض إدلب السورية تجمعت ميليشيات الإرهاب المرتزقة بعد أن انتهت من مناوراتها الإرهابية المشتركة من صنوف الفكر والتكتيكات الإرهابية الدولية وبعد أن كونت قاعدة الإرهاب الجديد. الآن وعلى قدم وساق تمهد لها تركيا وبتمويل قطرى ممرًا آمنًا إلى أرض ليبيا لترتكز قاعدتها الجديدة على حدود مصر الغربية أملا فى فرض حصار إرهابى على دولة ٣٠ يونيو بالتنسيق مع فلولهم على الحدود الشرقية. العائدون من الجحيم ربما لا يدركون أنهم قادمون إلى جحيم قوة الدولة المصرية.. سيهزم الجمع ويولون الدبر.
أوائل ديسمبر ٢٠١٧ خرج المتحدث الرسمى باسم الظهير السياسى الدولى للإرهاب الإخوانى والداعشى «رجب طيب أردوغان» ليقول على مسمع من العالم بأن مقاتلى الرقة السورية قد توجهوا إلى صحراء سيناء على أرض مصر.
سمسار الإرهاب الدولى تحدث صراحة عن مقاتلين أُرسلوا إلى مصر. السمسار كاد يعترف بتفاصيل دوره فى الجلب والإيواء والتسليح والتدريب ثم التمكين من الخروج إلى مصر.
أسير أوهام الغزو العثمانى تخلى عن حيائه المحلى والدولى وراح يقود مرتزقة الإرهاب لراغبي متعة الدماء والفوضى.
■ ■ ■
الآن نحن على موعد مع موجة تهديد عالمى جديدة لن يتوقف خطرها حول الحدود المصرية فحسب، بل ستتحول إلى حالة من الاستثمار فى القتل والإرهاب الدولى المستدام ، بعدما تنتشر قواعد الإرهاب فى حقول الألغام البشرية خلال فروع إقليمية للتنظيمات الإرهابية المركزية.
نحن أمام خطر داهم ربما تتمثل آثاره فيما يلى:
■ تكوين مجموعات من القتلة المحترفين
■ فرض عصابات الإرهاب كرقم مؤثر يمكن استخدامه بشكل غير مشروع فى العلاقات الدولية
■ التغذية الفكرية والميدانية لمجموعات الإرهاب المحلى
■ تنشئة أجيال لا تعرف فكرة الانتماء لوطن أو لأرض
■ وجود خلايا بشرية سبق استقطابها وتشغيلها وتمويلها من قبل أجهزة
■ خلق موجة جديدة من عمليات غسل وتبييض الأموال
■ الاستمرار فى تكريس حالة الإسلاموفوبيا
■ خلق شبكة اتصال سرية بين إرهاب الداخل والخارج
■ استهداف المصالح والجاليات الأجنبية للدول التى كانت سببًا فى نزوحهم من معسكراتهم
■ تشتيت الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بإحداث خلل فى قواعد البيانات بسبب تغير تكتيك الحركة وأماكن الارتكاز
■ شغل الجيوش النظامية باستمرار بالتورط فى حرب العصابات الدائمة.
■ ■ ■
سماسرة الإرهاب الدولى ورعاته الرسميون يبذلون الآن جهودهم الاستخباراتية والمالية واللوجيستية لإعادة توطين الإرهاب فى قواعده الجديدة، وإعادة استخدام مخلفاته فى استئناف جرائمهم الإقليمية وفى تواصلاتهم وعلاقاتهم الدولية بعد أن استحدثوا ما يمكن وصفه بـ «دبلوماسية الإرهاب».
على أرض ليبيا وبطول امتدادها حتى الحدود مع تشاد تبذل الجهود الإرهابية من أجل توحيد عملية اندماج تنظيمى بين مقاتلى القاعدة ومقاتلى داعش، من أجل خلق كيان إرهابى جديد يواصل عملياته الإجرامية من خلال إعادة التمركز وإعادة المسميات أملا فى التمويه على الأجهزة.
الارتكازات حول حدود الدولة المصرية تهدف فى الأساس إلى الدخول فى مواجهة مباشرة مع قواتها المسلحة وشغلها طول الوقت وعلى امتداد الحدود.. ليبقى السؤال لمن تقدم خدمة استدراج الجيش المصرى استكشافًا لقدراته أو استنزافًا لجهوده؟!.
المجتمع الدولى الآن فى اختبار حقيقى لمصداقيته.. فإذا كان قد سبق له المعاناة من موجات الهجرة غير الشرعية، فإن عليه الآن أن يبادر بالتصدى لعمليات «التهجير الإرهابية».
■ ■ ■
المجتمع الدولى الآن مطالب بإدارة غرفة عمليات دولية لتبادل المعلومات عن إعداد النازحين من الإرهابيين برعاية أطراف معروفة لا تتورع عن ارتكاب جريمة دولية باسم «إعادة إعمار الإرهاب».
تمكن المقاتلون العائدون من إعادة التمركز فى قواعد جديدة لن تتوقف آثاره عند حدود إقليمية بل سينتشر سفراؤه للضرب فى قلب أوروبا وأمريكا وآسيا بفعل ذئابهم المنفردة أو المجتمعة.
■ ■ ■
على امتداد البصر وبدوران الحدود المصرية.. يظن الإرهابيون الجدد بمصر ما شاء لخيالهم المريض من الظنون، فإذا كان بعض الظن إثمًا، فإن عليهم أن يدركوا أنهم على أرض مصر ستتبدد آثامهم.
وإذا كان مقاولو الإرهاب العابر للحدود يظنون أنهم قادرون على تقويض الدولة المصرية بتمكين الإرهاب من التمركز حول حدودها، فإن عليهم أن يدركوا أنهم يعيدون تمركز المقاتلين حول شواهد قبورهم وهم لا يشعرون.