الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الوزر»

«الوزر»






كلمة وزير مشتقة من « وزر»، وتعنى الحمل الثقيل والمرهق والشاق.. منصب الوزير له واجبات وعليه مسئوليات وله مواصفات ومجموعة مهارات، ومن وجهة نظرى الوزير ليس منصبًا سياسيا فقط وليس فرصة عارضة قد تنجح فيها أو لا تنجح، هى عملية توظيف تتم وفق معايير وشروط محددة لها جانب فنى وجانب سياسى.
 معايير الاختيار يجب أن تخضع إلى مواصفات ومعايير مهنية واجتماعية يراعى فيها تراكم الخبرات الإدارية والتوازن والقيادة بالرؤية والفهم السياسى والاجتماعى والإحساس بضرورة التحديث المؤسسى وفق خطة استراتيجية واضحة ومعلنة.
السؤال هنا، هل لدينا معايير واضحة للاختيار؟
قبل الإجابة عن السؤال عندى لكم حكاية لطيفة، الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد بيان 30 مارس 1968، وهو لمن لا يعلم جاء كمحاولة للخروج من تداعيات  نكسة يونيو ١٩٦٧ وقتها كنا فى حاجة لما يشبه المراجعة وإعادة ترتيب البيت من الداخل وبالأخص على الجانب التنظيمى والتشريعى والإدارى، وصدرت  الوثيقة المهمة و تضمنت الرؤية العامة لهذه الأفكار التصحيحية.
بعد البيان أراد الرئيس جمال عبدالناصر  إدخال شخصيات جديدة على الوزارة، تتمتع بشعبية وتقدير عام ومن المعروفين بالنزاهة والاستقامة واستقلال الرأى، ووقع اختياره على الدكتور إسماعيل غانم، عميد حقوق عين شمس المعروف بميوله الاشتراكية واستقلاله بالرأى، فعـبر عبدالناصر عن رغبته فى أن يدخل الوزارة وقال: «عاوز الدكتور غانم بتاع حقوق عين شمس» دون أن ينتبه إلى أن فى كلية حقوق عين شمس شخصين بالاسم ذاته، العميد إسماعيل غانم والوكيل حافظ غانم، ولسبب ما فإن الوزارة عرضت على الوكيل الدكتور حافظ غانم، وتسبب هذا الخطأ فى اختيار الوكيل الذى ظل لمدة 10 أعوام فى السلطة، ومن عهد عبدالناصر إلى عهد السادات، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح المسئول الأول عن الاتحاد الاشتراكى.
الارتجال والعشوائية عشناهما جميعا وتجلى فى أبهى صوره، بعد هوجة  25 يناير، الميدان كان يفرض الوزراء ورئيس الوزارة والمحافظين ويقيل ما يشاء منهم .
المعايير وحدها، يتم التعامل بها وبدقة شديدة فى الديمقراطيات التقليدية، فعادة يكون  الاختيار أو التغيير مرتبطا بخسارة الحزب الحاكم للانتخابات التشريعية، وهذا يعنى مغادرة هذا الحزب الحكومة بجميع وزرائه، وتسليم الراية للحزب الفائز الذى سيشكل الحكومة الجديدة.
إذن التدرج والتدريب داخل المؤسسات الحزبية، قادر على تخريج وزراء جيدين، التجربة فى أوروبا  تقول ذلك .
«النمسا» مثلا وزير خارجيتها سباستيان كورتس، تولى المنصب فى عام 2013 ولم يتجاوز الــ 28 عامًا، واستطاع أن يترك بصمة قوية.
كورتس، الذى ولد فى فيينا عام 1986، بدأ حياته السياسية مبكرا فى  صفوف منظمة الشباب المسيحى، كما  انتخب كرئيس لجموع الشباب فى حزب الشعب النمساوى، ومابين 2010 و2011 كان عضوًا فى مجلس مدينة فيينا، وفى الانتخابات العامة للنمسا عام 2013 تم انتخابه كعضو فى البرلمان.
عايدة هادزيلك، تولت منصب وزيرة التعليم، فى السويد وهى لم تتجاوز عمرها الـ 27 عاما.
 عايدة المولودة  عام 1987 والقادمة كلاجئة من البوسنة عاشت فى مدينة هالمستاد السويدية، وتخرجت فى كلية الحقوق، وعينت نائبة لرئيس بلدية المدينة، وبسبب انجازاتها العديدة فى البلدية، ونشاطها التربوى والاجتماعى، واكتسابها شهرة وكاريزما انتخابية فى وقت وجيز، استطاعت عايدة الحصول على المرتبة العاشرة فى قائمة أكثر 100 امرأة مميزة فى السويد ومنصب الوزير!
شارل ميشيل لم يتجاوز عامه الـ 38 عندما أصبح أصغر رئيس وزراء فى تاريخ بلجيكا، ولم يتم اختيار  ميشيل عشوائيا بل إن تاريخه السياسى هو ما أهله لتلك الفرصة ففى عام 1999 اختير ليمثل الليبراليين فى البرلمان، وانتخب كعضو فى مجلس مدينة «وافر» عام 2000، وفى عام 2006، أصبح عمدة المدينة،و فى عام 2000 أيضا أصبح وزير الشئون الداخلية فى الحكومة  حيث لم يكن يتجاوز آنذاك الـ 25 من عمره ليصبح بذلك أصغر وزير فى تاريخ بلجيكا.
نعود إلى السؤال، هل لدينا معايير واضحة للاختيار، هل لدينا مؤسسات حزبية قادرة على التدريب وتخريج وزراء؟.. للأسف لا، ولكن «الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب»، هى الأمل فى هذه الجزئية المهمة، ويعوّل عليها الكثيرون لإخراج كوادر قادرة على تبؤ مراكز قيادية فى الدولة خلال الفترة المقبلة.
فالمناصب العليا فى الدولة تحتاج إلى تأهيل وتدريب كثيف، لضمان الكفاءة المطلوبة للقيام بالمهام القيادية فى مثل تلك المناصب.