الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لا استقرار فى أوروبا إلا بدولة مصرية قوية

لا استقرار فى أوروبا إلا بدولة مصرية قوية






صباح يوم 16 سبتمبر الماضى، طوارئ فى مطار القاهرة لاستقبال ضيف رفيع المستوى، الضيف سيباستيان كورتز مستشار النمسا الشاب. زيارة خاطفة لعدة ساعات. غادر بعدها القاهرة. التوقيت ولقاؤه الأول مع السيسى يشى وقتها بأن هناك أمرًا جد خطير. النمسا ما زالت تترأس الاتحاد الأوروبى حتى نهاية العام الحالى. مباحثات السيسى تناولت يومها مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. الإشارات الصادرة من الجار الأوروبى أنه نظر بعين الاعتبار للدور الذى لعبته القاهرة فى مكافحة الهجرة غير الشرعية.

 على الضفة المقابلة من المتوسط، حيث  الجار الأوروبى. لم تنقطع غرف العمليات هناك. الهجرة غير الشرعية كابوس يؤرق القارة العجوز. باتت تهدد بتفكيك الاتحاد الأوروبى. أضعفت حكومة ميركل. دفعت البريطانيين إلى البريكست والانسلاخ عن أوروبا. الاتحاد الأوروبى يتبنى اقتراحًا لتعزيز الضوابط الأمنية يمتد من 2020-2027 يعتمد على زيادة تمويل البرامج الخاصة بالهجرة واللجوء وحماية الحدود من 13 مليارًا إلى 35 مليار يورو.
لم يمر أسبوع. كان اللقاء الثانى الذى جمع السيسى بالمستشار النمساوى. كورتز يزور السيسى فى مقر إقامته بنيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تقارب اللقاءين كشف عن أهمية القاهرة بالنسبة لأوروبا وأمنها عمومًا وللنمسا بشكل خاص. جيران الجبهة الشمالية أطلوا على التجربة المصرية. مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم. مصر امتلكت كل أدوات عبقريتها الجغرافية. سيطرت عليها وشرعت فى استخدامها بشكل قانونى ومؤسس لحماية مياهها الإقليمية وبسط سيطرتها عليها وإيقاف أى عمل غير شرعى يستخدم تلك المياه منفذًا للتسلل يهدد أمنها أو امتداداتها الإقليمية.
بأدواتها المتاحة. وجهودها الذاتية تحولت مصر إلى حارس البوابة الأمين تحملت وحدها تكاليف وجهود إيقاف الهجرة غير الشرعية الهادر إلى أوروبا.
 مصر لم تكن تمارس حالة من الاستعراض الأمنى أو العسكرى. بل كانت تمارس مسئوليتها الإنسانية بكامل طاقتها من أجل إنقاذ المهاجرين من الغرق وإنقاذ أوروبا من الإغراق.
لم يفوت مستشار النمسا وقائدها أوروبيًا حاليًا فرصًا تجمعه مع السيسى إلا وانتهزها. لقاء ثالث فى ألمانيا. وأخيرًا زيارة السيسى الحالية إلى العاصمة فيينا. 4 لقاءات فى غضون ثلاثة شهور أو أقل. تكشف عن اهتمام متبادل. يصل إلى حد التنسيق. تفاهمات متقدمة فى عدة ملفات. الأمر تجاوز ما هو أمنى يخص مكافحة إرهاب أو هجرة غير شرعية إلى شراكة مستدامة وتبادل نقل الخبرات. فى المقابل تسعى القاهرة التى تتوسع دبلوماسيًا فى الملعب الدولى لتكوين محاور ارتكاز دولية تستند عليها. وتكوين أكبر شبكة علاقات خارجية معقدة قادرة على تمرير المصالح المصرية. القاهرة التى تجاوزت العلاقات مع الأصدقاء التاريخيين والتقليديين. تتسع نشاطًا لتمتلك حاليًا أصدقاء حقيقيين فى قلب أوروبا النابض يمكن أن تعول عليهم فى إيصال رؤيتها وتصحيح الصور المغلوطة عنها. بحيث يمكن البناء عليها لحوار استراتيجى بين القاهرة والاتحاد الأوروبى وصولًا إلى تحقيق الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية الشاملة مع الجار الشمالى.
 فى ليالى فيينا الباردة والهادئة يمكن أن تتلمس كيف أصبحت هذه المدينة تتصدر مدن العالم فى جودة الحياة فيها. لعدة أعوام تحتفظ بهذه المكانة. نموذج جدير بالمتابعة والدراسة والاحتذاء به. مشوار طويل للوصول أو الاقتراب من هذه المكانة. مصر التى خرجت تئن من تجربة فوضى يناير وما تلاها من إرهاب أسود تراجعت فيها الخدمات بشكل غير مسبوق.
لدى القاهرة وقيادتها السياسية طموح وإرادة إعادة بناء الدولة بالمفهوم العصرى. بالفعل هى أم المعارك! وأصعبها على الإطلاق. الإرادة المصرية لن يثنيها إرهاب أو عوائق داخلية. القاهرة انتزعت هنا اعترافًا كانت القارة العجوز تغفله عمدًا؛ وهو أنه لا استقرار فى أوروبا إلا باستقرار مصر.. وأنه لا أمان فى أوروبا إلا بدولة مصرية قوية.
على أوروبا تهب عواصف ثلجية مصحوبة بعواصف سياسية متلاحقة تنذر بمزيد من الاضطراب . الدول الرئيسة فى أوروبا تعانى أزمات حادة. فى الأسابيع الأخيرة المشهد يبدو أكثر ارتباكًا. أوروبا تتحول من الواحة الأكثر استقرارًا إلى موجات احتجاج عارمة واهتزازات سياسية واختراقات أمريكية وروسية وصينية على السواء. صعود قوى الشعبوية من خارج المؤسسات يمثل تهديدًا للمشروع الأوروبى. مايو 2019 هو تاريخ الحسم. انتخابات البرلمان الأوروبى. نتيجتها ستضع أوروبا على المحك. يبدو فى الأفق أن هناك تشكيلًا وشكلًا جديدًا للنظام العالمى. أوروبا التى دار فى مخيلتها أنها يمكن أن تتمحور لتكون قوة معتبرة ذات طبيعة وخصائص متفردة عن التبعية للولايات المتحدة أو هدفًا لاختراق روسى أو صينى. يبدو مهددًا. لكنها لم تعلن عن استسلامها حتى الآن. فطنت إلى أصل أزماتها وهو الخروج من شرنقتها لتنفتح مجددًا على إفريقيا. بالتنمية والشراكة هذه المرة وليس بالاستعمار. القارة السمراء مركز اهتمام العالم. والصراع المستقبلى عليها. يتزامن ذلك مع استعداد مصر لقيادة الاتحاد الإفريقى أوائل 2019. الصين التى فطنت وعظمت تواجدها إفريقيًا مستغلة انشغالاً أمريكياً بالملفين السورى والإيرانى. الصين ربطت نفسها بإفريقيا عبر طريق الحرير.. روسيا هى الأخرى عززت نفوذها فى إفريقيا. أمريكا فطنت إلى هذه المساعى مؤخرًا وأطلقت من جانبها مبادرة «إفريقيا مزدهرة» هنا لم تكن أوروبا بعيدة عن المشهد. النمسا وقبيل مغادرة مقعد قيادة الاتحاد الأوروبى كان أن نظمت منتدى إفريقيا - أوروبا 2018. رسالة لا تخطئها عين عن هدف أوروبى فى أن تكون حاضرة فى المشهد. إفريقيا التى تستحق شعوبها جودة الحياة والاستفادة من ثرواتها. ستشهد أراضيها جولة جديدة من الحرب الباردة. الجميع يخطب ودها. والجميع أيضًا يرى فيها فرصًا واعدة للاستثمار. الكل فى العالم يدرك أن القاهرة بوابة إفريقيا. والقاهرة لديها الكثير لتقدمه لإفريقيا. السيسى غلبت إنسانيته على سياسته فقرر أن يكون حارسًا أمينًا لصون الكرامة والثروة الإفريقية. فمصر التى ستتولى قيادة القارة السمراء انطلاقًا من الثوابت التالية:
- العلاقات مع إفريقيا تمثل أولوية للسياسة الخارجية المصرية.
- مصر ضامن دولى وإقليمى ومصدر طمأنينة لالتزامات إفريقية متعددة.
- مصر تمتلك رؤية للشراكة من أجل التنمية.
فى هذا الإطار كانت كلمة مصر على لسان السيسى سواء فى افتتاح منتدى إفريقيا وأوروبا أو على مائدته المستديرة أو حتى فى لقاء سيادته مع الرئيسة التنفيذية للبنك الدولى. اللقاء مع السيدة كريستالينا جرى التباحث فيه حول فرص التعاون التنموى فى إفريقيا تحت مظلة الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى. البنك يريد الاستفادة من تجربة مصر الناجحة مع البنك الدولى والتى تمت بإدارة ناجزة ورؤية سياسية شاملة وهو ما يمكن تعميمه فى إفريقيا.
 السيسى رجل إفريقيا الوفى أبدى استعداده للتشاور مع البنك فى سياق أى مبادرات من شأنها خدمة الأهداف التنموية للقارة الإفريقية.
ليالى فيينا لم تكن إلا أعمالًا مصرية شاقة سواء على الشق الثنائى مصر - النمسا؛ أو حتى فيما هو أشمل إفريقيا - أوروبا. فى كلتا الحالتين كانت القاهرة هى المحور ونقطة الارتكاز والانطلاق.