السبت 19 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تحدى الدولة!

تحدى الدولة!






لماذا ينتهك الناس القانون؟ سؤال مهم فرض نفسه بعد حديث السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى افتتاح مشروع بشاير 2 بغيط العنب فى الإسكندرية فى إطار الخطة القومية لمكافحة العشوائيات خصوصا أن العشوائيات بكل أشكالها انتشرت فى كل محافظات مصر وباتت تمثل أزمة حقيقية الخروج منها باهظ التكاليف.
السؤال يحتاج إلى ورش عمل متعددة المستويات على موائد بحث متنوعة، لأن مصر للأسف تواجه ظاهرة غريبة وهى كراهية النظام وعدم الرغبة فى احترام القواعد العامة، والنظام هنا بالقطع ليس بالمعنى السياسى وإنما بالمعنى الإدارى من تنظيم شئون الحياة.
هل يستطيع سائق سيارة اختراق إشارة المرور لو كانت كاميرا المراقبة فى مكانها؟ بالقطع لن يفعل ولكنه سيخترق النظام لو لم يجد رمز الدولة أمامه سواء كان ضابط الشرطة أو الكاميرا فالاثنان رمز للقانون يفرضان على المواطن احترامه.
ونفس الحال فى ملف البناء على الأراضى الزراعية، وينطبق على العشوائيات بكل أشكالها، وهى نفس القاعدة فى حالة البناء من دون ترخيص، أو حتى بتجاوز اشتراطات الترخيص، فالمؤكد أن هناك تراثا طويلا من التحايل على القانون واختراقه.
الشاهد أن هذه المخالفات لأغلب جوانب القانون وقواعد النظام العام ترتبط بسببين أساسيين أولهما غياب جهات إنفاذ القانون وثانيهما غياب جوانب مهمة من الخدمات التى يجب أن تقدمها الدولة للناس فيلجأون إلى التصرف الفردى بمختلف الوسائل حتى ولو بمخالفة القانون.
فى عام 1992 وعقب الزلزال الشهير خرج علينا محافظ الجيزة آنذاك بتقرير يقول إن 80% من منشآت مدينة الجيزة مخالفة وتم إنشاؤها دون تصريح، تخيل هذه النسبة من المخالفات أمام أعين الدولة ولا تراها، وتسأل نفسك كيف تم ذلك ولماذا أقدم الناس على ذلك ولا تجد سوى إجابة واحدة لأن ممثلى الدولة كانوا غائبين لسنوات طويلة عن الشارع وغير متواجدين أمام الناس يلزمونهم باحترام القانون ويتخذون إجراءات عقابهم على المخالفات.
هذه واحدة، أما الثانية فهى عدم التزام الدولة لعدة عقود سابقة بواجبها تجاه مواطنيها، وتوفير الخدمات الملتزمة بها دستوريا وسياسيا وقبل كل ذلك إنسانيًا، ولو وجد الناس على سبيل المثال مشروعات إسكان حكومية  أو تخطيطًا رسميًا لأحياء جديدة، ما كانوا بادروا ببناء مخالف  فى أماكن مخالفة، ولكنهم تحركوا لحل أزماتهم بأنفسهم.
لا يعنى ذلك دعوة الناس لاختراق القانون أو تبرير لسلوكيات يصفها القانون بأنها انتهاك تستوجب معاقبة مرتكبيها، إنما هو رصد لأسباب سادت المجتمع وتكرست فيه لسنوات طويلة وانتشرت وتحولت للأسف إلى قاعدة من قواعد الحياة.
فى الحالتين غياب القانون والقائمين على تنفيذه أو قصور الدولة فى القيام بواجباتها فالتوصيف واحد وهو غياب الدولة، أو الدولة الغائبة، والتى انتهت إلى حالة من الفوضى، وأصابت المجتمع كله بأزمات وأعباء مزعجة يتطلب إزالتها لإعادة المجتمع إلى مساره الطبيعى تكالف باهظة لم تشهد مصر انتخاب.
لقد جرت آخر انتخابات للمحليات عام 2008، ومنذ عشر سنوات والأوضاع مجمدة ويسودها فساد متفش يحتاج إلى مواجهة قوية وانتخابات جديدة، تعيد الدولة التى غابت لعشرات السنوات إلى القيام بدورها ليس فقط للمساهمة فى تنفيذ خطة القضاء على العشوائيات، وإنما لمنع عودة هذه الظاهرة المؤلمة مرة أخرى.
الدولة الغائبة هى تلك التى تتهاون فى تنفيذ القانون وتتراجع عن القيام بدورها المجتمعى.