فى فلسفة المسجد والكاتدرائية ١- رسائل فوق سياسية

ترى ما هى رمزية افتتاح «الكاتدرائية والمسجد» معا فى العاصمة الإدارية اليوم؟
لنبتعد عن مفاهيم الوحدة المعروفة وقبلات «المشايخ والقساوسة» التليفزيونية التى صارت بلاستيكية!

الرمزية كثيفة المعنى. تحتاج فقها يغوص فى الفلسفة التى لم تعد سمة هذه الأيام الجاريات وأضحت قشرية؟

لنسترجع بعض الأحداث المحيطة والمتعلقة بالإعلان عن قرار إنشائهما قبل عامين إذن:
أولا: الإعلان تم خلال قداس عيد الميلاد. لم يكن إعلانا عن مقرات دينية أو دور للعبادة. ثانيا: قصد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى هو إرساء رموز التعايش فى البلاد باعتباره مكونا أصيلا فى الوجدان المصرى. ذلك الوجدان الذى حول الأديان - كل الأديان - إلى أسلوب للحياة. لم يتماه مع أصول اجتماعية راسخة قبله كما حدث فى مصر.
ثالثا: القاهرة هى عاصمة مصر وامتدادها فى «الإدارية». مصر هى عاصمة العيش المشترك وصاحبة القدرة الفريدة على انصهار الاختلافات والمتضادات!
ومما تقوله الرؤية العميقة: إن الاستسلام للطائفية هو استسلام لمشروع احتلال فكرى وافد على أصل الهوية المصرية. احتلال يبتغى غزو وطمس هذه الهوية لتحل محلها مسوخ ثقافية لا يمكن أن تكون قبلة للانتماء. ومن ثم تنشأ أجيال مشتتة.
ومن نافلة القول: إن الاستخدام الطائفى فى مصر ليس استخداما «دينيا» بقدر ما هو استخدام «سياسى ممنهج».
استخدام سياسى يستوظف الدين توظيفا تكفيريا مقصودا يؤدى إلى عمليات تحقير وإقصاء اجتماعى تبحث لنفسها عن غطاء أو مبرر دينى لسلوك دنيوى غير سوى!
العاصمة الإدارية هى أول عاصمة يتم بناؤها منذ بناية جوهر الصقلى!
مصر بكل هذا التاريخ وعبر عمرها المديد كانت عواصمها محدودة من طيبة فى الجنوب مرورا بالقاهرة وصولا للعاصمة الإدارية الآن.

مصر دولة فريدة فى العالم. دولة منشأ ومرور لأنبياء ورسل وديانات سماوية كبيرة. سيرتها معطرة فى الكتب المنزلة من عند الله على الرسل والبشر.

لذا فإنها حين تبنى عاصمتها الجديدة فى التاريخ الحديث تقدم قيم التسامح والتنوع وقبول الآخر ونبذ العنف والطائفية والعنصرية أساسا للبناء قبل البناء التجسيدى المتمثل فى المسجد والكنيسة.
قبل ذلك وكثير غيره فإن «الفتاح العليم» والكاتدرائية مزارات سياحية وروحية يصلحان أن يخلق منهما علامة بصرية وترويجية توضح بمجرد النظر أن تلك هى العاصمة الإدارية المصرية.
غدا نكمل