الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كتاكيت داعش»

«كتاكيت داعش»






قبل نهاية العام المنصرم بأيام قليلة تسلمت مصر 12 طفلا من أطفال «داعش»، الذين فقدوا آباءهم خلال المعارك الطاحنة التى خاضتها القوات الليبية لدحر فلول التنظيم فى مدينة سرت.
الأطفال الـ12، ينحدرون لمسلحين كانوا يقاتلون مع التنظيم، ولقوا حتفهم، وسهلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إعادة الأطفال  إلى القاهرة  وقالت – اللجنة -  إنها «لا ترغب فى الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، وتدعو لاحترام خصوصية هؤلاء الصغار وعائلاتهم».
من أيام قليلة رحلت مصر، محمود عمرو محمد عزت، 24 سنة إلى ألمانيا.. وضبطت ألمانى آخر من أصل مصرى ويدعى عيسى إبراهيم الصباغ - والبالغ من العمر 18 عاما، قادما من ألمانيا عبر مطار الأقصر الجوى، وعثروا  بحوزته على خرائط لمحافظة شمال سيناء... وأتضح أن الشابين  كانا فى الطريق إلى شمال سيناء للانضمان لداعش!
«كتاكيت داعش» العائدون من ليبيا، والقادمان من ألمانيا للانضمام للتنظيم يفتحون ملف شائك جدا، ملف استخدام الأطفال فى التنظيم، كوقود لجيش الخلافة، والأهم خطورة هؤلاء الأطفال على المجتمع بعد عودتهم.
 أوروبا انتبهت مبكرا لهذا الخطر وبدت فى إعداد عمليات دمج ممنهجة يشرف عليها علماء فى التربية وعلمى الاجتماع والنفس، وفى نفس الوقت، أحاطت هؤلاء الأطفال  بسياج من الشك والريبة حتى بعد أن مروا من عمليات إعادة الدمج بنجاح.
دراسات مهمة، تناولت الملف الشائك، وكشفت أن المجنّدين من الأطفال من تنظيم داعش يعودوا إلى أوطانهم، بمعدّلات مقلقة، ومرتفعة، خاصة بعد أن ارتكبوا أعمالا وحشية لا يتخيَّلها العقل.
 على سبيل المثال فى عام2017، روج داعش لفيلم دعائى عن طفل، لم يتعد عمره الخمس سنوات، يسير  مُتعثِّراً عبر ملعبٍ كرة قدم مهجور فى سوريا، فى اتجاه سجينٍ مُكبَّلٍ على الأرض مُقيَّدة يداه إلى بوابة الملعب، وفى تحوُّلٍ يصعُب تصوُّره للأحداث، تركز الكاميرا على وجه الطفل  الذى يرفع مسدساً صغيراً، ويُصوِّبه دون براعةٍ إلى رأس السجين، ويضغط الزناد فتنفجر الدماء.
فى تكرار مختلف للقصة نفسها، يظهر طفل آخر - نعلم فيما بعد من الفيلم الدعائى نفسه - أنه بريطانى واسمه عيسى دارى، البالغ من العمر أربع سنوات، فى عام 2016، وهو يضغط على زر تفجير سيارة مُفخَّخة ليلقى أربعة سجناء حتفهم فى الانفجار، وسط التهليل والتكبير المعتاد والاحتفاء بالطفل!
للأطفال أذن دورٍ حاسم، إن لم يكن مصيرياً، فى إستراتيجية بقاء داعش، فقد كان التنظيم صاخباً فى استخدامهم بشكلٍ لا لبس فيه، تدريب عملى مبكر، ليصبحون فى خدمة الخلافة ويترسخ فى أذهانهم أن هذا هو الطريق الصحيح، الجهاد لنشر دين الله ودخول الجنة والفوز بحور العين بعد الموت!
عملية ممنهجة تمر بمراحل عدة من التدريب على القتال، مع برامج التعليم، وقصص قبل النوم التى تحتفى بـ«الجهاد»، للحصول فى النهاية على جنود مُشبَّعين تماماً بعقيدة التنظيم الإرهابى ويرى ما دونه كفرا يستحق القتل.
تنظيم داعش خصص قدراً هائلاً من الموارد لإعداد الجيل المقبل من الإرهابيين من هؤلاء الأطفال.. نعم عودتهم قد تعنى المزيد والمزيد من المعلومات والمساعدة فى كسب المعركة ضد الإرهاب التطرُّف.
 فهؤلاء الأطفال كنز كبير ويتمتعون بمعرفةٍ لا مثيل لها بمجتمع داعش، ويمكن من خلال هؤلاء الأطفال إثراء التدابير المضادة له.
لكن الدولة التى تواجه العائدين من تنظيم داعش عليها أن تكن حذرة، فهناك مخاوف منطقية من فشل عملية الدمج، أو أن تكون عملية العودة كلها خطة طويلة المدى تحمل نوايا خبيثة، بأوامر من تنظيم داعش نفسه بغرض تكوين خلايا نائمة، تكون مستعدة للهجوم فى أى وقت.
المخاوف المُتعلِّقة بالأطفال العائدين ليست خاطئة تماماً .. فبحسب علماء الاجتماع والنفس فى دراسات عدة، سوف يعانى هؤلاء الأطفال الذين تربوا فى كنف داعش، معاناةً مريرة، من الناحية البيولوجية، يمكن أن تُؤثِّر الصدمة التى جاءت من الحياة  والقتال فى منطقة حرب على بنية الدماغ، فما بالك بمن مارسوا العنف والقتل بأنفسهم، أبحاث علم الجريمة تشير إلى أنَّ هؤلاء المُتطرِّفين الشباب مُعرَّضون بشكلٍ خاص لخطر ارتكاب الجرائم فى وقتٍ لاحق.
«علينا أن نعتبر أنَّ هؤلاء الأطفال يمكن أن يكونوا قنابل موقوتة .. فالخطر الأكبر الذى يواجهنا من عودة هؤلاء الأطفال لا يكمن فى الخطر الذى قد يُشكِّلونه فقط، بل فى عدم قدرتنا على إعادة إدماجهم.