الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ماذا حدث فى يناير 2011؟ «2–3»

ماذا حدث فى يناير 2011؟ «2–3»






 فى يناير 2011 جرت على أرض الكنانة - وبعض الدول العربية - أحداث مأساوية، وأصبح نحيب وعويل الأمهات والآباء مدويًا فى أرجاء الأرض، مزلزلا جنبات السماء، سالت فيها دماء الشرفاء والأوفياء لهذه الأوطان دون ذنب أو جريرة، الذين فقدوا فلذات أكبادهم من الفتيات والشباب الأنقياء، أو من أولئك الضباط والجنود الصناديد،  الذين كانوا يذودون عن السجون والمعسكرات، وقد دفع هؤلاء وأولئك الشهداء والمصابون الثمن فادحاً، وإن كنا نحتسبهم فى جنات النعيم خالدين فيها أبدا، ونضمد جراح المكلومين منهم الذين ندعو المولى عز وجل أن يتم شفاءهم.
وفى يناير 2011 ، وما بين عشية وضحاها، تأرقت مضاجع الأطفال الأبرياء، ونزل المواطنون أمام منازلهم يتناوبون النوبتجيات لحماية أنفسهم من البلطجية والشبيحة، ناهيك عما أصاب الشيوخ والمسنين الآمنين المطمئنين فى بيوتهم من مشاعر الفزع والهلع والرعب من الأعمال الإجرامية من المجرمين والمترصدين والمتلصصين، لترويعهم وترهيبهم وتخويفهم، فكان الخراب والدمار، والهلاك للحجر والبشر.
لا أقول هذا من قبيل اجترار ماضٍ أليم مؤلم ومفجع  فحسب، ولكن لنأخذ الدروس المستفادة، لتجنب ذلك مستقبلا، وذلك فى إطار الفكرة الأساسية للمقالات الثلاث، وهى تجلية مفاهيم الثقافة القانونية المرتبطة بتلك الأحداث، وفى الواقع، إن القراءة الأولية لهذه الاحتجاجات، كان يمكن بها أن تؤدى لترسيخ كرامة الإنسان وحقه وواجبه فى بناء بلده سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبهذا كان يمكننا إيجاد نقاط التلاقى بينها وبين مبادئ فلسفات التنوير، التى نبتت فى الثورات الشعبية الأوروبية – كما أسلفنا فى المقال الماضى – وتأثرت بها الثورات العربية الكبرى فى أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ومن ثم كان أمام تلك الاحتجاجات، محاولة التأسيس لحاضر قوامه العقل وليس العنف والخراب والدمار، وهى  تنبع  - ولا شك - من عدم الاقتصار – فقط -  على تغيير الطبقة الحاكمة، بل العمل القانونى الهادف، وبشكل استراتيجى، ببناء مؤسسات تسمح بإعادة النظر فى علاقة سلطات الدولة من خلال دستور جيد ونظام حكم رشيد .
وفى تأصيل ذلك، نقرأ مفهوم الديمقراطية عند روسو، فى قوله إن الناس متساوون لأنهم يمتلكون ويعايشون الآلام والأفراح ذاتها، وكذلك عدم تجاهل ما قاله فولتير الذى ما فتئ يردد بأنه علينا أن ننير عقول الناس، وعندها سيعرفون ما عليهم أن يفعلوه، فالميل للتغيير والسعى للتقدم وتحسين الحياة السياسية والاقتصادية للمواطن يجب ألا ينفصل عن تبنى فكرة أننا متشابهون لوجود كائن داخلنا يدعى إنسان، وأن اختلافنا هو اختلاف منبعه المجتمع والبنية السياسية المتصلان بماض عمره قرون عديدة.
ويعد رفاعة رافع الطهطاوى من أبرز المفكرين العرب فى عصر النهضة الذين نظّروا للدولة الحديثة، وقد وضع الطهطاوى رؤية سياسية مستلهماً مبادئها من الأفكار الأوروبية الحديثة حول الدولة والقانون مبررًا مشروعية الأخذ فى النظام السياسى والقانونى للدولة الحديثة الأوروبية، وكان تأثر الطهطاوى واضحاً بأفكار روسو وبعقده الاجتماعي، فهو يتحدث عن الحقوق المدنية بوصفها «حقوق أهالى المملكة الواحدة بعضهم على بعض»، وهى ليست هبة من الدولة بل هى تضامنية بين المواطنين، وهى ثمرة التعاهد بينهم «لحفظ أموالهم ومنافعهم ونفوسهم وأعراضهم وما لهم وما عليهم محافظة ومدافعة»، كما احتلت الدولة الحديثة المؤسسة على القانون والعدل حيزاً مهماً من أفكار جمال الدين الأفغانى، فالحياة الدستورية بالنسبة إليه لا تقوم إلاّ إذا كان للشعب دور أساسى فيها، ولم يختلف مفهوم الدولة عن ذلك لدى الكواكبي، وهو من دعاة حكومة دستورية يكون المواطن فيها أميناً على سلامة الجسم والحرية والنفوذ والعدل والمال والملك والشرف، وهذا الاتجاه إلى تعزيز المفاهيم العصرية للدولة ساد مختلف رواد عصر النهضة، سيما ما يخص دولة القانون التى دعا إليها الإمام محمد عبده وإلى سيادة العدالة  فى الدولة، مشيراً إلى أن «القانون هو سر الحياة وعماد سعادة الأمم، وأن القوة لا تأتى بثمرتها الحقيقية إلاّ إذا أعضدت باتباع القانون الذى أقر العقلاء بوجوب اتباعه».
(وللحديث بقية)
وبالقانون .. تحيا مصر،،