الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سيدة البلكونة

سيدة البلكونة






مثلكم جميعًا شعرت بالغضب، الرعب، العجز، قلة الحيلة، 80  ثانية فقط أخذتنى لعالم آخر، فجرت فى رأسى آلاف الأسئلة، لم أتحمل الثوانى، وأظن أن الكثيرين مثلى، لم يتحملوا رؤية الطفل «أسامة» معلقًا بين السماء والأرض، لم ينتظروا، ويستمتعوا بالمشهد الذى حصد مليون مشاهدة فى ساعات، كثيرين أغلقوا الفيديو، أنا منهم، وكثيرين، ذهبوا إلى نهاية الفيديوسريعًا، ليطمئنوا أن أسامة نجا من الموت المحقق، وبالتأكيد كثيرين استمتعوا للنهاية، وبعضهم تلذذ بصرخات وآهات الطفل وكان يريد المزيد.
الرجل ذو القلب الحديدى الذى قام بالتصوير، ولم يتحرك لإنقاذ الطفل، يستحق جائزة «أوسكار» فى الثبات الانفعالى، فحتى لو كان فى عمارة أخرى، ونزوله جريًا ليصعد عمارة مقابلة سوف يستغرق الكثير من الوقت ولن ينقذ الطفل، لو حدث له مكروه لا قدر الله، فالأكيد أن بقاءه واستمراره فى التصوير أيضا ومراعاة أفضل زاوية لمتابعة انفلات أسامة من يد الأم وسقوطه لن يفيد ولن ينقذ الطفل الضحية!
دقائق وامتلأت السوشيال ميديا كالعادة، بالتفاصيل، زوجة أبيه، أمه، لا لا لا.. الطفل يتيم، والكل يطالب بأقصى العقوبة، اسجنوها، اعدموها، لا تستحق أن تكون أمًا، لا تستحق أن تكون سيدة أصلًا، هذه شيطانة، ارجموها.
أخرجت الأم «هند» أسوأ ما فينا سريعًا، طالبناها بالرحمة، ونزعنا من قلوبنا الرحمة نفسها، قلنا أن قلبها لا يعرف الحب، وكأن رواد السوشيال ميديا يعيشون فى «جمهورية أفلاطون»
لم يتردد الكثيرون فى كيل الاتهامات، مبكرا جدًا طالبوا بسجنها، حرمانها من الطفل ووضعه فى دار للرعاية، وكأن من فى دار الرعاية سيكونون أحن عليه من أمه.
الفضائيات والمواقع تعاملت مع «سيدة البلكونة» كسبق، الجميع تسابق لينشر أخبارا عنها، ماذا قالت فى التحقيقات، أين كان زوجها، كيف تم القبض عليها وقضت ليلتها هى وأسامة فى قسم شرطة أكتوبر، تفاصيل الـ8 ساعات تحقيقات معها، الافراج عنها، ظهورها فى القنوات الفضائية، كيف بكى الطفل فى قسم الشرطة مطالبا بالإفراج عن الأم وأنها لم تضربه طوال حياته، كلها أمور للاستهلاك، تنتهى غدا أو بعد غد على الأكثر عندما يجد السوشيال ميديا «هرى جديد»!
لم يفكر أحد فى الطفل الذى تعرض لهذه التجربة القاسية، لم يفكر أحد من السادة الباحثين عن الأم والأب والعمة والجيران، ليظهروا معهم فى القنوات ليلا، أو يحصلوا منهم على تصريحات وكلام غث، أن الطفل يحتاج لعرضه على طبيب نفسى، حتى لا يعانى فى المستقبل من الرهاب الاجتماعى والقلق من الموت والخوف من التعامل مع الآخرين وتجنب الكبار.
مثل هذا الطفل يحتاج رعاية حقيقية، علاجا نفسيا مكثفا  حتى لا يصبح سهل الانقياد لجماعات الانحراف والجريمة، أو يلجأ للتدخين والإدمان.
الطفل تعرض للرعب خلال تجربة مريرة، ويحتاج لدعم نفسى حقيقى، لإزالة آثار ما بعد الصدمة التى ستتسبب للطفل فى عواقب مستقبلية تؤدى لكوارث، بسبب تعرضه لخطر محدق.
لم يفكر أحد فى المأساة، الحقيقية، ولم يسأل أحد عن  الأم «هند» عاملة النظافة، هل هى جانية أم مجنى عليها؟! الأم التى تعود إلى البيت لتستريح بعض الوقت وتعود للعمل، ابنها أضاع المفتاح، النجار طلب 20 جنيها ليفتح لها الباب، معها 10 جنيهات فقط، لم تفكر فى أكثر من ذلك، أسامة ابنها الأكبر 13 عاما، ومعها ثلاثة أبناء آخرين، 4 أبناء وأب لا يعمل لظروف صحية.. أم تعول أسرة مكونة من  6 أفراد، هذه هى المأساة التى يجب أن ننتبه لها، هذه هى المأسأة الحقيقية، الضغوط الاقتصادية تميت القلب والروح، تصنع عنفا مكبوتا، فلا الأم «هند» كانت تريد قتل ابنها، ولا هى استطاعت أن تفكر بطريقة أفضل، ولا هى مؤهلة أصلا لتكون أما ومربية.
الأم أيضا تحتاج لتأهيل، والعرض على مراكز علاج نفسى متخصصة، فلديها 3 أبناء غير أسامة، ولا بد أن يتم العمل علي تعديل سلوكها وتقويمه وحسنا فعلت وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتور غادة والى بقرارها، عرض الأم والابن  على اخصائيين مدربين من وزارة التضامن، ودراسة حالة الاسرة وخصوصا الأب والعمل على تقويم سلوكه.. وتوفير ما يلزم للأبناء الأربعة من ناحية التعليم ومتابعة دورية للأسرة ككل لإنقاذها من مصير مظلم وغامض.