
حازم منير
ترامب ومادورو
يُصر الغرب على تنبيهنا كل فترة ولفت نظرنا إلى مدى كراهيته للديمقراطية وإرادة الشعوب، وهو يوجه الرسائل لمن يريد أن يفهم أن دفاعه عن الحريات وحق الشعوب فى تقرير مصيرها وغيرها من العناوين الفخمة الضخمة مجرد أحاديث لتغطية سياسات وسلوكيات متناقضة تماما وتُمثل انتهاكًا صارخًا لإرادة الناس.
موقف الغرب الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية من فنزويلا ربما يثير دهشة البعض لكنه لا يجب أن يكون مفاجأة لهم، فهو موقف ليس بالجديد على هذه الكتلة من العالم التى ضربت أكثر الأمثلة فجاجة فى العالم حين تتعارض مصالحها المباشرة مع إرادة الشعوب والحريات.
ما يحدث الآن من قرارات وتوجهات وما يتم إعلانه من مواقف وسياسات تجاه فنزويلا يعيد للأذهان الجرائم الأمريكية فى الستينيات والسبعينيات بخوض حرب إبادة بشعة ضد الشعب الفيتنامى لمنعه من ممارسة حقه فى اختيار نظام ضد معارض للولايات المتحدة، وهى معادلة تكررت فى مطلع الثمانينيات ضد جزيرة جرينادا التى تدخلت فيها القوات والمظلات الأمريكية لإسقاط حكم متعارض فى توجهاته مع أمريكا وتنصيب حكم جديد مؤيد لها، ثم فى التسعينيات فى منطقتنا فى حالة العراق وما جرى فيها.
لا مجال لأى مبررات خصوصًا إذا ما رصدنا الصلة بين ما يجرى من ادعاءات وبين مصالح محددة لهذه الدول وغيرها التى تعبث جميعها بحقوق الناس وبالديمقراطية وبالحريات وهى فى حقيقة الأمر تُهدر كل هذه القيم والمبادئ.
هى أشبه بحرب عالمية مصغرة تجرى رحاها على الأراضى الفنزويلية، وربما تكون النسخة السورية اللاتينية، ففى سوريا أساس المشكلة الغاز أى المصالح على واحد من أهم مصادر الطاقة فى العالم، تخيل إشعال حرب داخلية فى بلد 8 سنوات لإقصاء نظام والعمل على السيطرة على بلده لاستخدامه فى تحقيق مصالح ذاتية.
أما فى فنزويلا حيث النفط العنصر الأهم فى الطاقة، لأن هذا البلد اللاتينى الذى يحكمه نظام يسارى يقف بشدة ضد المصالح الأمريكية ورفض التفريط فى ثروته، فانقلب عليه الغرب تحت القيادة الأمريكية بما قد يؤدى لإشعال حرب أهلية فى البلاد، بينما تدخل روسيا وتركيا فى الصراع من زاوية أخرى لمساندة النظام الحاكم لأسباب مصلحية متعددة منها رغبة الدب القطبى فى اختراق الفناء الخلفى لراعى البقر، والرغبة التركية فى الاستحواذ على مناطق نفوذ أوسع تقوى من مركزها فى حلف الأطلنطى.
اسم الرئيس الفنزويلى مادورو يوحى لك بأننا فى ساحة مصارعة ثيران بإسبانيا، وعلى الرغم من أنه لا يوجد ثيران، إنما المؤكد أننا أمام صراع شبيه بما يجرى فى هذه الحلبة، ويسعى فيه كل طرف اقتلاع خصمه من الوجود، فما يدور فى فنزويلا لن ينتهى إلا بتثبيت حكم مادورو وباقتلاعه وفوز الغرب فى الصراع الدولى الدائر.
الحاصل أننا أمام نموذج قوى يهدر كل مصداقية للغرب فى حديث الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويؤكد أن الصراعات لا ترتبط بمنطقتنا العربية وإنما هى وثيقة الصلة بالمصالح ومناطق النفوذ فى أى مكان بالعالم ، والشاهد أن إرادة الشعوب وحقها فى الحياة يجرى سحقه تحت أقدام قادة الدول التى تحمل لافتات حقوق الإنسان فوق كل اعتبار.